راسم عبيدات - النجاح الإخباري - قرت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع المشروع الخاص بإخراج كفر عقب ومخيم شعفاط وجزء من أراضي السواحرة الشرقية الواقعة خلف جدار الفصل العنصري من حدود ما يسمى ببلدية القدس وهو مشروع القانون، الذي طرحه ما يسمى بوزير شؤون القدس، زئيف اليكن، والهدف هنا لا يقبل التأويل: تهويد المدينة وقلب واقعها الديمغرافي لصالح المستوطنين.

هذه الخطة ليست الأولى التي جرى طرحها، من أجل تهويد القدس وأسرلتها والإنفصال من جانب واحد عن المواطنين الفلسطينيين في المدينة، عبر ممارسة التطهير العرقي بحق سكانها العرب المقدسيين، وإنشاء البؤر الإستيطانية في قلب القرى العربية مثل مشروع إقامة (61) شقة إستيطانية فاخرة على قمة تلة أبو طور الأثرية والتاريخية المطلة على البلدة القديمة، والتي سبقها إضافة (176) وحدة إستيطانية جديدة الى مستوطنة "نوف تسيون" في قلب جبل المكبر، لكي يجعلها أكبر بؤرة إستيطانية في قلب قرى مدينة القدس العربية، وباستكمال مراحلها الثلاث سيصبح مجموع وحداتها الإستيطانية (400) وحدة، وتوسيع مساحتها لكي تصبح 10% من مساحة الضفة الغربية، بضم المستوطنات الواقعة جنوب غربها -مجمع "غوش عتصيون"-ومجمع مستوطنات "معاليه ادوميم" الواقعة شرقها إليها.

بعد إندلاع الهبة الشعبية في مدينة القدس في تشرين الأول من عام 2015، طرح حاييم رامون الوزير وعضو الكنيست السابق، ومعه مجموعة من القيادات العسكرية والأمنية الاسرائيلية المتقاعدة، خطة سميت بإنقاذ يهودية القدس، تضمن الإنفصال عن 28 قرية مقدسية في المدينة، ومن بعد ذلك طرح زعيم حزب العمل السابق اسحق هيرتسوغ خطة الإنفصال عن القرى المقدسية، ولتأتي خطة عضو الكنيست الليكودية "عنات باركو" والتي دعت فيها الى اخراج 95% من سكان المدينة العرب من حدود بلدية القدس، ومن ثم كانت خطة المتطرف زئيف اليكن الأخيرة في هذا المسلسل، الذي ينظمها خيط واحد وهاجس واحد وهدف واحد، الإنفصال والخطر الديمغرافي والحفاظ على يهودية القدس، وضمان أغلبية يهودية فيها، بما يبقيها عاصمة لدولة الإحتلال، ويمنع تقسيمها مستقبلاً، او تسليم اجزاء منها لسلطة غير يهودية، اجنبية او السلطة الفلسطينية على حد تعبير المتطرف بينت زعيم «البيت اليهودي».

الإحتلال يسّرع من خططه ومشاريعه التهويدية في المدينة، فقبل مدة قصيرة كان هناك مشروع طرد وترحيل التجمعات البدوية الفلسطينية في الغلاف الشرقي من مدينة القدس، المواطنون البدو في منطقة جبل البابا، والذين جرى قبل ذلك ترحيلهم وترحيل التجمعات البدوية لعرب الجهالين وتجمع أبو نوار أكثر من مرة، وعملية الطرد والترحيل هذه تكتسب درجة عالية من الخطورة، كون هذا الطرد والترحيل يستهدف المنطقة المسماة "E1" ، التي رفض المجتمع الدولي البناء الإستيطاني فيها، كونها تفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وتقضي على حل الدولتين بشكل نهائي، وتحكم السيطرة على مدينة القدس، وتعزلها بشكل نهائي عن محيطها الفلسطيني، والإحتلال في إطار عملية التهويد والأسرلة للمدينة لم يكتف بطرد وترحيل مواطني جبل البابا المهجرين أصلاً من تل عراد في السبع، بل يخطط لهدم ست بنايات في منطقة كفر عقب تضم (138) شقه سكنية، وسبق ذلك مخططات استيلاء على حي كبانية ام هارون في الشيخ جراح، والذي بدأه المتطرف أريه كنج، عراب تهويد الجليل بالإستيلاء على بيت المسن أيوب شماسنه، تمهيداُ للإستيلاء على بقية منازل الحي -45- منزلاً، وإقامة (400) وحده استيطانية مكانها، وكذلك الخطر يتهدد حي البستان في سلوان، حيث (89) منزلاً فلسطينياً، يعيش فيها (1500) فلسطيني، مهددة بالهدم وتشريد سكانها لإقامة ما يسمى بالحدائق الوطنية والمسارات التلمودية والتوراتية، والهدف تهويد بلدة سلوان، من أجل وصل البؤر الإستيطانية والأنفاق الموجودة في سلوان مع البؤر والأنفاق الموجودة داخل البلدة القديمة.

ومن أجل ربط مستوطنات جنوب غرب القدس "غوش عتصيون" و"افرات" و "بيتار عليت" يجري الإستيلاء على المزيد من أراضي قرية الولجة الفلسطينية، حيث سيتم إزاحة وإرجاع الحاجز العسكري الموجود أسفل البلدة لمسافة لا تقل عن (2.5)كم شرقاً، وبما يضمن السيطرة على عين الحنية، واكثر من (1100) دونم من أراضي القرية، خدمة للمشاريع الإستيطانية وما يسمى بالحدائق الوطنية والتوراتية.

كل هذه الخطط والمشاريع التي يقوم بها الاحتلال لتهويد المدينة، يريد أن يستبق بها الخطة الأمريكية المسماة بـ "صفقة القرن"، والتي ربما تفرض عليه وقائع لا يرغب بها الإحتلال في المدينة، قد تعقد و"تفرمل" من خططه التهويدية، ولذلك يريد أن يجهز على المدينة بشكل كامل ونهائي، حيث يجري تهويد المكان فوق الأرض وتحت الأرض والفضاء وتزوير التاريخ والأثار العربية الإسلامية وتغيير المشهد المقدسي بشكل كامل من مشهد عربي- إسلامي الى مشهد يهودي مزيف، ليس فقط لم تقره المؤسسات والقوانين والقرارات والشرائع والإتفاقيات الدولية، وفي المقدمة منها مجلس الأمن الدولي، الذي اكد في قرارته والتي كان أخرها قرار رقم (2334 ) المقر في 23/12/2016، بإعتبار الإستيطان في القدس والضفة الغربية غير شرعي، ويجب على إسرائيل التوقف عن الإستمرار فيه، وكذلك ما أقرته منظمة التربية والعلوم والثقافة " اليونسكو" ولجنة التراث العالمي التابعة لها، بأن كل إجراءات وممارسات الاحتلال بحق البلدة القديمة ومحيطها غير شرعية، وبأنه لا وجود لأي صلة ما بين المسجد الأقصى، كمكان مقدس للمسلمين دون غيرهم من اتباع الديانات الأخرى، وكمعلم حضاري وتاريخي وديني إسلامي بـ "جبل الهيكل" أو الديانة اليهودية، فكل الحفريات وما عثر عليه من آثار، قالت بشكل قاطع لا وجود لتاريخ وأثار يهودية في المنطقة، وما يسمى بالهيكل المزعوم.

نحن ندرك تماماً بأن عملية إخراج بلدة كفر عقب ومخيم شعفاط وأجزاء من أراضي قرية السواحرة الشرقية المصنفة ضمن حدود بلدية القدس، ستتدحرج وتصل الى ما طرحه الوزير وعضو الكنيست السابق حاييم رامون ومن معه من القادة العسكريين والأمنيين المتقاعدين، بالإنفصال عن (28) قرية عربية في شرقيي المدينة، دون حل سياسي أو تفاوض مع السلطة، بما يعني أن تلك القرى، ستتشكل لها مجالس محلية خاصة، يتم ربطها ببلدية الاحتلال، كمقدمة لإخراجها الى مناطق (سي)، تتبع الإدارة المدنية، بحيث يجري حشر سكان تلك القرى في معازل خاصة، لكل منها بوابة ومداخل ومخارج خاصة يتحكم فيها الاحتلال.

وربما تتدحرج هذه الخطة نحو خطة عضو الكنيست الليكودي عنات باركو، بإخراج (95)% من سكان مدينة القدس من حدود ما يسمى ببلدية القدس، فالمحتل يريد أكبر مساحة وأقل عدد سكان عرب في المدينة، بحيث يتحول من يتبقى من عرب في المدينة الى جزر متناثرة في محيط إسرائيلي واسع، يضطرون للعيش وفق أنماط حياتية إسرائيلية.

المحتل لا يريد أن يقدم أية تنازلات جدية من أجل تبريد وتجميد هذا الصراع، بل يريد أن يحسم نتائجه بالقوة وتغيير الوقائع على الأرض، ولذلك يتوجب علينا كمقدسيين الإستمرار بعملية الصمود والتشبث بالبقاء على أرضنا والدفاع عن وجودنا، وهذا يتطلب ليس فقط دعم هذا الصمود والوجود فلسطينياً وعربياً وإسلاميا ودولياً، بل لا بد من التوجه الى المحاكم الدولية، وفي المقدمة منها محكمة الجنايات، فما يمارس بحق المقدسيين العرب، سواء لجهة الإستيطان وتكثيفه والإستيلاء على الأرض، والتطهير العرقي والتعديات المتواصلة على المسجد الأقصى، جرائم حرب بإمتياز، يجب ان يجلب قادة الاحتلال ومستوطنيه إليها ومحاكمتهم على تلك الجرائم بإعتبارها جرائم ضد الإنسانية.