أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - المراقب للحالة الفلسطينية وحركة حماس بالتحديد يستطيع أن يلمس قدرا من التباين بين تيارين مركزيين باتا يسيطران على المشهد داخل الحركة. هذا اتضح بعد التحرك الكبير الذي حدث في الساحة الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة وتدحرج مسار المصالحة، ففي الجمود ما يحافظ على وحدة الموقف لكن الحركة السياسية تحدث فعلها في تعدد الآراء والاختلاف وبروز التكتلات والتحالفات ما بين الرافض والمؤيد.
يمكن القول إن هناك مساراً جديداً شكل انقلاباً على رؤية «حماس» وموقفها وسلوكها خلال السنوات العشر الماضية آخذاً بالتراجع عما فعلته الحركة من مغامرة السيطرة على قطاع غزة ولديه الرغبة بالتخلص من هذه السيطرة، هذا التيار استمد قوته من الانتخابات الأخيرة للحركة وصعوده الى مواقع متقدمة ونقل مركز قيادة الحركة الى قطاع غزة وهو التيار الذي لم يشارك في أحداث الانقلاب كما أشار عضو المكتب السياسي للحركة حسام بدران ومتحرراً من ارث الحكم وأخطائه خلال السنوات الماضية.
هذا التيار أخذ على عاتقه إحداث انعطافة في مسار الحركة بالتقارب نحو الحالة الوطنية متحدثاً بلغة وطنية لم تكن جزءا من خطاب حركة حماس سابقاً بل وفي لحظة ما تعرض بسبب خطابه لانتقادات من قبل التيار الآخر أخذت بالتشكيك في سياساته معتبرة أنه يقدم تنازلات حد الاستسلام للسلطة الوطنية، ومع ذلك ظل تيار المصالحة مستمراً وهو ما يمكن أن نطلق عليه التيار الوطني داخل حركة حماس.
أما التيار الآخر وهو ما يمكن أن نصفه بالتيار الإخواني أو الحرس القديم داخل الحركة وهو الذي اتخذ قرار الانقلاب والسيطرة على غزة وحكمها دون التراجع ومهما كلف الثمن، وعندما شحت الأموال ذهب لجيوب المواطنين وأخذ يفرض ضرائب باهظة أثقلت كاهل المواطن الفقير المحاصر وكان الأهم بالنسبة له إنجاح تجربته بأي شكل دون أن يأبه بما آلت إليه الحياة في القطاع من انهيار.
التيار الإخواني داخل الحركة يعتبر أن ما يحدث خلال مسار المصالحة وتراجع حركة حماس هو إدانة، عملياً، لكل سياساتها خلال السنوات الماضية، والحقيقة أنه كذلك لكن لا أحد يريد الاعتراف بخطأ سياساته لأن الاعتراف بالخطأ يعد نقيصة في العالم العربي بل أبعد من ذلك فانه يمكن أن يرقى لأسئلة على مستوى جدارة السياسة وكفاءة الإدارة وخيارات الحكم.
التيار الوطني بالحركة إن صحت التسمية ظهر أكثر حرفية في إدارة السياسة وأكثر حرصاً على مصلحة الحركة نفسها بعد أن عزلت نفسها لسنوات طويلة وتسببت بحصار نفسها وتسببت بمعاناة لمليونين من البشر دون أن تفكر بالتراجع، ولا يمكن القول إن تراجع التيار الجديد بالحركة عن حكم غزة إلا برغبة بالتحرر من هذا العبء وإعادة ترميم العلاقة مع الشارع الفلسطيني هنا في القطاع والتي تعرضت لضربة كبيرة، هذا التراجع يتعلق أولاً بمصلحة الحركة لأن نهاية المسار تعني الانتخابات التي تضمن دمجه في النظام السياسي وشرعنة دوره بل أن طموحه يذهب ربما للحصول على أغلبية والسيطرة على النظام السياسي كله والحكومة بدل غزة وحدها وهذه العزلة التي لا فكاك منها.
بدأت المصالحة باندفاعة من قبل التيار الذي لم يكن جزءا من أحداث الانقسام وأخذ على عاتقه إبداء قدر من المرونة وسط غضب الآخر الذي انكمش منذ بداية دوران العجلة لتصعد أسهم الاتجاه المرن في الشارع بغزة. لكن هذا الاتجاه بدأ في الآونة الأخيرة يتعرض لنوع من أنواع الضغط أو التشفي بسبب استمرار اجراءات السلطة التي اتخذتها ورهنها بتخفيف الضغط بعد التمكين دون إبداء أية مبادرة حتى وان كان بالإمكان التراجع عنها فيما لو حدثت أية انتكاسة لأن كل مفاتيح قطاع غزة لازالت بيد السلطة تستطيع أن تعاقب أو تتراجع كما تشاء.
الحرس القديم في حركة حماس ومع استمرار الوضع كما هو عليه من انقطاع الكهرباء واستمرار حملة التقاعد التي بدأت قبل المصالحة وكأنها لم تكن والخصومات على الرواتب بدأ يستقوي في الآونة الأخيرة وكأن بقاء اجراءات السلطة بات يستخدمها كدليل على صحة موقفه متشككاً برغبة السلطة بالمصالحة، تلك الإجراءات التي أصبح المتضرر منها هم موظفو السلطة من أبناء حركة فتح والتيار الذي تقدم باتجاه خطوات انقلابية على سياسة الحرس القديم فيما بات استمرار اجراءات السلطة يقدم خدمة ومادة إعلامية للتيار الرافض للمصالحة والذي اعتبر أن ما فعله من سيطرة على غزة خلال سنوات ماضية هو السياسة الصحيحة.
واذا كانت المعادلة بهذا الشكل وهي كذلك الى الحد الذي بات فيه التيار الوطني في حركة حماس يستنجد بالشارع كما عبر أحد قادته في سبيل إنجاح المصالحة بعد أن حل اللجنة الإدارية وسلم المعابر والوزارات وان بقيت مسائل مهمة مثل التمكين الأمني والسلاح ولكنه تقدم خطوة للأمام من المهم مواجهتها بخطوة من قبل السلطة يمكن التراجع عنها ان ثبت عكس ذلك.
ان واجب السلطة ومنظمة التحرير تعزيز اتجاه مختلف في حركة حماس غير الاتجاه القديم لأن أي هزيمة للاتجاه الجديد يعني تعزيزا للتيار المتصلب الذي أودى بغزة الى هذا المستوى من الفقر والبؤس والذي بدأ يرفع صوته في الآونة الأخيرة بلغة «ألم نقل لكم»؟ 
ان تعزيز التيار الوطني بحركة حماس مهمة وطنية عليا من قبل النظام السياسي الفلسطيني بعد أن ظلت الحركة منذ انطلاقتها بثوب إخواني في حالة تضاد سياسي وثقافي مع الوطنية الفلسطينية حتى في التفاصيل الرمزية بدءا من الدبكة والكوفية انتهاء بالخطاب والعلم والنشيد الوطني، ان مهمة السلطة الوطنية الفلسطينية  استدراج حركة حماس نحو مربع الهوية الوطنية والروح الوطنية وها هو يظهر من يجري كل المراجعات اللازمة ويدفع بالحركة نحو مساحة جديدة مغادراً مساحة التصلب والسيطرة والإقصاء متحدثاً عن الشراكة وعن المشروع الوطني هذا ممنوع هزيمته وإلا سندفع الثمن جميعنا وقد جربنا ذلك نحن أبناء غزة على جلودنا.
فتح معبر رفح خطوة أولى مهمة باتجاه تعزيز ما ينبغي تعزيزه وبانتظار خطوات إضافية من السلطة التي تتحكم بكل شيء، وهذا ما يجب أن يدفعها للتقدم ولو بمنطق العصا والجزرة دون خوف لأن السياسة ليست فعلا ميكانيكيا فقط بل فعل ثقافي يؤثر في انزياحات الرأي العام ويعزز ثقافة معينة وتلك أهم ما في ما يحدث في الأشهر الأخيرة.