محمد علي طه - النجاح الإخباري - الرّقابة السّياسيّة، ملفّعة بحملة تحريض دمويّة، ترافقها عمليّة تجفيف الموارد الماليّة، الّتي شنّتها في العام الماضي وزيرة الثّقافة في حكومة إسرائيل ميري ريغف على مسرح "الميدان" الحيفاويّ العربيّ أبحرت في شّهر حزيران الماضي (2017) إلى مهرجان المسرح في عكّا الذي يقام سنويًّا في عيد المظلّة، فألغت إدارة المسرح عرض مسرحيّة "أسرى الاحتلال" للمخرجة والكاتبة عينات فايتسمان ما أدّى إلى أن يعتبر المخرجون والممثّلون، ومنهم أسماء بارزة مثل المخرج يهوشع سوبول والممثّل دورون تابوري، هذا الإلغاء القسريّ خطًّا أحمر وأن يعلنوا انسحاب جميع المسرحيات المشاركة في المهرجان احتجاجًا على الرّقابة وكمّ الأفواه، وهذا يعني إلغاء مهرجان المسرح في عكّا الأمر الذي أثار عاصفة بين الفنّانين والمسؤولين عن الثّقافة وعن السّياحة، وأشغل مساحات واسعة في الصّحافة العبريّة والاعلام، مصحوبة بحملات تراشق كلاميّة حادّة.

تجنّد شمعون لانكري، رئيس بلديّة عكّا، بصورة فظّة إلى حملة التّحريض ضدّ فايتسمان حينما زعم في مقابلة معه في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنّ مسرحيّة "أسرى الاحتلال" تتماهى مع "المخرّبين الفلسطينيّين" وتدعم "الإرهاب" ما عرّض عينات فايتسمان إلى حملة تهديد ووعيد قد تشكلّ خطرًا على حياتها وحياة أبناء وبنات عائلتها. وقد بلغ "الرّيّس" ذروة التّحريض حينما خاطب الممثّلين والمخرجين المنسحبين من مهرجان المسرح قائلًا "هل تقطعون الغصن الذي تقفون عليه بسبب مسرحية عينات فايتسمان التي تعطي شرعيّة لقتلة أيديهم ملطّخة بالدّم".

يستغرب لانكري، في اللقاء الصّحفيّ المذكور، لأنّ أربعًا من أصل تسع مسرحيات كان من المقرّر أن تشارك في المهرجان تعالج القضيّة الفلسطينيّة، ولا بدّ لنا نحن المراقبين من أن نتساءل مرتاحين: كيف يحدث مثل هذا الأمر في الثّقافة الإسرائيليّة في فترة زمنيّة يعمل فيها اليمين وحكومته، أسيرة المستوطنين، على إلغاء كلمة "احتلال" من القاموس السّياسيّ وتحويل كلمة "سلام" إلى شتيمة؟ لا شكّ بأن هذا برهان على انّ القضيّة الفلسطينيّة وبخاصّة الاحتلال الاسرائيليّ كانا وما زالا لُبّ التّفكير للمواطن الاسرائيليّ ومصدر همّه ولا يمكن لقادة اليمين الاسرائيليّ الحاكم تغطية الشّمس بعباءة مهما كانت سوداء! تقول عينات فايتسمان إنّ مسرحيتها "لا تمجّد الإرهابيّين ولا تمدح المخرّبين" بل تعالج ظروف الاسرى الفلسطينيّين في السّجون الاسرائيليّة وما يفعله السّجن بهم وما أثره على عائلاتهم. وتضيف: بأن المسرحية لا تُقاضي ولا تحاكم الاسرى على ما فعلوه بل تصوّر وضعهم الحالي في السّجون، وهذا ما يقلق الاحتلال".  لا يدري أحد مصير مهرجان المسرح في عكّا في هذا العام إلّا أنّ "أسرى الاحتلال" والعاصفة التي رافقتها أعادتا الرّأي العامّ الاسرائيليّ إلى أتون الصّراع وبرهنتا على أنّ هناك فنّانين ومبدعين ذوو ضمائر حيّة وأنّ الضابطة العسكريّة النّاطقة سابقًا باسم جيش الاحتلال لا علاقة لها بالثّقافة!