موسى حوامدة - النجاح الإخباري - تطل النكبة برأسها، ليس فقط في مثل هذا اليوم من كل عام، ولكن في كل يوم وساعة ودقيقة.

 النكبة وآثارها مزقت الأمة العربية، والعرب ساهموا في صناعتها وديمومتها حتى اليوم.

  قلت “الأمة العربية”، سيقول البعض أن هذا مصطلح كلاسيكي، وتعبير تقليدي، وليكن، نعم أنا تقليدي وكلاسيكي هنا، حتى يقنعني أحد بكلمة بديلة عن ذلك، دون أن يقول لي، مصطلحاً مثل: الناطقون بالعربية، أو العائشون بين العرب، أو…الشعوب العربية، أو سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو أي مصطلح من تلك المصطلحات والكلمات التي لا تختبر وتطبق إلا علينا، فلا مشكلة أن يقولوا الأمة الانجليزية أو الفرنسية والألمانية والصينية وغيرها، ولكن حين يتعلق الأمر بنا نحن العرب، يخرج لك ألفُ محللٍ ومتفذلك وجهبذ، ليقنعنا أننا لسنا أمة ولسنا شعباً وربما لسنا بشراً، وهناك من يتنطح لجلدنا، وإعادة نبش التاريخ، ونقد شخصياته التي مضت عليها مئات وآلاف السنوات، ليحرمنا حتى من حقنا في الاستناد إلى شيء من الثقة بأنفسنا، وأننا ساهمنا ولو بفصل صغير، في تاريخ الحضارة الإنسانية.

  ما أكثر السكاكين والسيوف التي تغمد يومياً في أجسادنا، وأرواحنا، وما أكثر المخططات التي توضع ويشتغل عليها، لتهبيط همتنا، وإرادتنا، على الرغم من كل ما نتعرض له من تثبيط وعجز وتخلف، طمعاً في الحصول على هدايا مجانية من (جهات غامضة تدير العالم)، وتمنح الجوائز والهبات والترجمات والسفرات والانتشار العالمي.

  بدأت مقالتي بنية الحديث عن ذكرى النكبة الفلسطينية، وتلك الصور التي لا تمحى من الذاكرة، شعب بالكامل يُجتثُّ من أرضه وبلاده وحياته، ويلقى في مهب الضياع والمنافي والتلاشي والخذلان، فمضى بي الحديث عن النكبة العربية، ولعلي لا أبالغ إن قلت كلاهما أمر واحد، فليست النكبة أمراً خاصاً بالشعب الفلسطيني، وإن انغرز في قلبه رأس الحربة، في مأساة إنسانية وكارثية، تتعدى جرائم النازية.

 جاءت النكبة نتيجة لما تم التخطيط له، في الغرب للفتك بنا وبمنطقتنا، والانتقام من أولئك الذين احتلوا اسبانيا والجنوب الفرنسي، وأثروا في الحضارة الغربية عبر ذلك كما يقول روحي الخالدي، وانتقاماً أيضاً من المسلمين الأتراك الذين انتزعوا القسطنطينية “اسطنبول” من البيزنطيين.

المؤرخون الأوروبيون يقرون بذلك، فأوروبا القادمة من العصور الوسطى، تريد الانتقام من الشرق الذي سبقها وتفوق عليها، وتسعى للسيطرة عليه، وتمزيقه، ومنذ الحروب الصليبية، وحتى قيام الدولة العثمانية، ومن ثم مجيء محمد علي باشا، وتطلعه إلى تحرير مصر وبلاد الشام من قبضة العثمانيين، وحرصه على تحديث الحياة، ومواكبة التطور وإحداث النهضة، تم وأد تلك التجربة بضرب الأسطول المصري عام 1860 بالاتفاق بين الاتراك والفرنسين والبريطانيين.

هذا ليس تاريخاً من العصر الجليدي أو الحديدي، هذا تاريخ ما زال يعيش معنا، ويتوالد ويتشكل أمام أعيننا، وما قيام اسرائيل كما تقول الكاتبة البريطانية النزيهة كارين أرمسترونغ في كتابها “الحروب المقدسة” إلا استكمال للحروب الصليبية.

  وإن كانت نكبة فلسطين تتجسد في ذكري قيام الكيان الغاصب، فأن النكبة العربية،  تتجدد يومياً، فكل يوم هناك من يعبث ويخرب ويفسد ويعيث فساداً في الحياة، وليست النكبات مخيمات، ولجوء وشتات فلسطيني، لحق به دمار عربي للعديد من الحواضر العربية، على أهمية ذلك وصعوبته ومرارته، فالتخريب يحدث يومياً، وكثيراً ما يجري بأيدينا نحن.

كل عمل غير نزيه يمد في عمر النكبة.

كل فساد وكل تخريب ورشوة تطيل عمر النكبة.

المنافقون يغذونها، الفاسدون يمدونها بالحياة، الخونة يحيلونها إلى أكوام من الرماد، والخونة ليسوا الجواسيس فقط، بل كل من يستعمل الطرق غير الشرعية، لتحقيق مصالحه، ويقدم من لا يستحق، ويهمش صاحب الحق، في كل شيء، من كوب الماء وحتى أعلى مناصب القيادة والكفاءة؟

صحيح أن النكبة مُرّةٌ على من ذاقها، ومرة على من لا يزال يدفع ثمنها، وما وجود الأسرى واضرابهم اليوم إلا نتيجة من نتائجها، وما انكسار العرب، حتى اليوم، وتشتت رأيهم، وضياع بوصلتهم، إلا نتيجة من نتائجها.

هل خرجت عن النص؟

هل ابتعدت عن الموضوع؟

ربما، ولكن لولا هذا الخراب العبثي الذي يمتد من الماء إلى الماء، لما وصلنا إلى العام التاسع والستين من عمر النكبة، وما زلنا نتراجع على كل الأصعدة.