باسم برهوم - النجاح الإخباري - الرئيس الاميركي دونالد ترامب، يبدو حتى الآن، أنه واحد من أكثر الرؤساء الاميركيين تبنياً للفكرة الصهيونية وليس لإسرائيل فحسب. فمن المعروف أن الرؤساء الأميركيين يشتركون جميعاً بمسألة الانحياز لإسرائيل وحمايتها وضمان تفوقها العسكري، إلى جانب منع المس بها في المحافل الدولية سياسياً ودبلوماسياً عند انتهاكها للقانون الدولي. إلى جانب هذه الحقيقة المُصاحبة لكل الرؤساء، فإن عددا منهم كانوا أكثر تشدُداً في هذا الانحياز ويتبنون فكرياً وايديولوجياً المشروع الصهيوني التوسعي، وكما يبدو أن الرئيس ترامب واحد من هؤلاء. في قراءة تاريخية لمواقف الرؤساء الأميركيين، نلاحظ أن الشعب الفلسطيني يواجه اليوم مع ترامب واقعاً مشابهاً للواقع الذي واجهه مع رؤساء وإدارات أميركية كانت نتائج مواقفها وخيمة عليه وعلى قضيته الوطنية. من ابرز هؤلاء- الرئيس ترومان، الذي تولى الحُكم نهاية الحرب العالمية الثانية وبعدها. ترومان هو أول رئيس أميركي يتبنى بالكامل الصهيونية ومشروعها وأهدافها، وكان يتهم من يُخالفه الرأي من اركان ادارته او السياسيين الأميركيين باللاسامية، مواقف ترومان أدت إلى صدور قرار تقسيم فلسطين رقم (181) عن الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، وأدت في نهاية المطاف الى إقامة اسرائيل، بهذا الشأن، على انقاض فلسطين وشعبها وحصلت نكبة عام 1948. المرة الثانية، مع الرئيس رونالد ريغان، الذي مثل هو وادارته صقور الحزب الجمهوري، والذي تزامن وجودهم مع حكومة بيغن- شارون في اسرائيل وهم صقور ترى الليكود واليمين الاسرائيلي في حينه. في ظل إدارة ريغان، أعطي الضوء الأخضر لبيغن وشارون لاجتياح لبنان عام 1982 والقضاء على الثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير هناك. وجاء سياق هذا الاجتياح حصار بيروت لمدة 88 يوماً وإخراج الثورة منها، وأيضاً جاء في سياقه مذابح صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة الاف من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء. واليوم في ظل إدارة ترامب، التي تمثل يمين وصقور الجمهوريين، فما هي الاحتمالات التي نتوقعها نحن الفلسطينيين منها وما العمل؟ ما رشح من مواقف ومؤشرات، يؤكد أن مواقف ترامب تجاه الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، مختلفة عن المواقف التقليدية فهي للإدارات والرؤساء الأميركيين الذين سبقوه أكثر سوءاً وتنبأً للفكرة الصهيونية التوسعية والعنصرية التي تنفي الآخر. لذلك، نحن نواجه أحد احتمالين، الأول أن يُبادر ترامب الى تبني موقف نتنياهو وحكومته اليمينية في فرض الاعتراف بهوية اسرائيل على الشعب الفلسطيني وقيادته، وهذا احتمال وارد جداً وخطير. خطورة هذا الاحتمال، في أن القيادة الفلسطينية سترفض رفضاً قاطعاً، وهي أعلنت ذلك مراراً و تكراراً، لكون هذا الاعتراف يُجبر الفلسطينيين على تبني الرواية الصهيونية التاريخية والتنازل عن الحق التاريخي لفلسطين.  في ظل هذا الواقع، ستطلق يد اسرائيل لضم الضفة الغربية اليها وهو الاحتمال الثاني، أو على الأقل مُعظم الضفة، وهذا الاحتمال بدأنا نلمس تطبيقاته على الأرض وفي المواقف الاسرائيلية التي لم تعد في ظل ادارة ترامب مضطرة لإخفاء اهدافها التوسعية. في ضوء هذه الاحتمالات التي نواجهها مع ترامب ما العمل؟ نقطة الارتكاز الاساسية في مواجهة هذه الاحتمالات هي في حقيقة وجودنا على ارضنا وهي حقيقة راسخة بالضرورة أن تمدنا بالثقة بالنفس، لماذا؟ لأن كل المخططات السابقة التي استهدفت انتزاعنا من وطننا ومن أرضنا، واستهدفت طمس هويتنا الوطنية فشلت امام ارادة صمود الشعب الفلسطيني. لذلك نقطة الارتكاز هذه يجب الحفاظ عليها في المرحلة المقبلة وتعزيز فكرة الصمود مهما بلغت المحطات قسوة. هُناك ايجابية أخرى قد تكون مُفيدة لنا، إذا ما عملنا عليها بذكاء ومتابعة، وهي أن وجود ترامب وإدارته أدى الى فرز العالم وعلى امتداد الساحة الدولية لمعسكرين، مُعسكر اليمين والتطرف، ومعسكر الانفتاح والتعاون، وهو فرز يشمل الولايات المتحدة، وبسرعة في مواجهة المغامرات المحتملة لترامب. النور الموجود في آخر نفق ترامب المُظلم، هو أن الجبهة المواجهة له أكثر تبنياً وفهماً لعدالة قضيتنا، والدليل على ذلك المواقف الدولية الرافضة لممارسات اليمين الاسرائيلي وضد الاستيطان وقوانين الضم وضد انتهاك القانون الدولي، والمطلوب هنا أن نُقنع الرأي العام العالمي أن فكرة الاعتراف بيهودية الدولة لا تقل خطراً وعنصرية عن الاستيطان، لكونها تتضمن نفي وجود الآخر، وتُبرر سياسة التطهير العرقي، وهو جوهر فكرة الاستيطان. بالضرورة أن يكون شعار حملتنا على الساحة الدولية "يهودية الدولة والاستيطان وجهان لعملة واحدة". والتحرك بهذا الشأن. بالضرورة أن توكل هذه المُهمة الى الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، فالجهات الرسمية الفلسطينية مهمتها ايجاد طرق التواصل مع إدارة ترامب، بهدف التقليل قدر المستطاع من الخسائر. من هُنا علينا العمل على جبهتين، الأولى تقوم بها الأحزاب والقوى للتواصل مع الحراك الدولي المناهض لترامب وتعزيز الوجود الفلسطيني فيه، وثانية الجهات الرسمية التي هدفها محاصرة الاحتمالات والمخططات الصعبة التي قد يواجهها الشعب الفلسطيني وتفادي مخاطرها. ارتباط اليمين المتطرف الاسرائيلي بترامب بالتأكيد هو أمر سيئ، لكن قد يحمل على المدى المتوسط والطويل ايجابيات، فهو سيهزم مع رحيل ترامب، ولكن هذا يحدث بقدر ما نستطيع ان نعزز وجودنا مع التيار الأكثر عقلانية في العالم الذي يرى في العنصرية من أي جهة جاءت، خطراً على البشرية جمعاء.