ريما نزال - النجاح الإخباري - تتعرض العاملات في المستوطنات إلى انتهاكات متعددة الطبقات، ظهرها ينوء تحت ثقل ثالوث الاضطهاد والقهر، القومي والعنصري والاجتماعي  الاقتراب من ظروف عملهن سيكشف عن انكشافهن الفادح، نساء فلسطينيات فقيرات يقعن فريسة غلاة المستوطنين المحتلين والسماسرة  هذا ما تبينه المسافة الصفرية التي قرّبتها جمعية مدرسة الأمهات في نابلس منا، في اجتماع الطاولة المستديرة المنظم لهذه الغاية  يقترب المجهر من الظاهرة، والضوء يتركز على العاملات أكثر   ويقدّر عدد "عمال المستوطنات" بثلاثين ألف عامل وعاملة، بينما نسبة مشاركة العاملات لا تتعدى 5% من نسبة العاملين في المستوطنات، بمعنى أن عددهن لا يتجاوز الفين وخمسمائة عاملة، حسب آخر احصائية أصدرها المكتب المركزي للاحصاء عام 2013                              

 في مركز الصورة المستوطنون؛ الفئة الأكثر عنصرية وتطرفاً في اسرائيل، يستغلون ويمصون دماء العاملات، نضيف على ذلك، استغلال حساسية موقع المرأة الفلسطينية في المجتمع الفلسطيني فيمعنون في إذلالها، ممارسة أبشع أشكال الاستعباد والاستغلال والاضطهاد المزدوج، القومي والاجتماعي
 في نظر المستوطنين، النساء الفلسطينيات مستهدَفات بالقتل، أمهات المقاومين، وها هن يقعن فريسة سهلة في براثنهم، ومن خلالهن تُعاقَب كل الفلسطينيات                               إنهن من دَعَت وزيرة العدل العنصرية "إيليت شكيد" إلى ذبحهن مع أطفالهن: "ثعابين صغار" يجب قتلهم وقتل أمهاتهن؛ لأنهن "يربين الثعابين ويدفعنهم إلى جهنم بالزغاريد والورود"، وتمعن عنصرية الوزيرة في تبرير عملية الاقتلاع والتشريد أثناء هدم "أم الحيران"، حين تتعمد حرف الأنظار عن الهدم، وتوجهها نحو مشكلة تعدد الزوجات والانجاب في المناطق غير المعترف بها والمهددة بالدمار! في هوامش الصورة، تتضاعف النظرة النمطية الدونية للعاملات لكونهن نساء يقفزن من فوق الخطوط الحُمْر، المساهمة في بناء المستوطنات، تنمية سرطان الاستيطان وإعطاؤه الشرعية  لذلك توصف هؤلاء النسوة بوصمة العار.

 كذلك وفي تفاصيل عملهن الأسود، لا بد من ملاحظة أن المقارنة ضمن معيار الخطيئة المرتكبة، بين العمال والعاملات، بينهن وبينهم، أن الحكم أقسى حتماً على عاملات المستوطنات منه على العمال، حيث سيتسرب إلى مسطرة الأحكام والمعايير، معايير الخصوصية الثقافية والاجتماعية، المستند إلى حساسية وضعية المرأة                                              ضمن مفهوم مسؤولية الإعالة والإنفاق، وركائز الثقافة السائدة ومفاهيم التمييز على أساس تقسيم العمل، دون استبعاد استخدام هالات القداسة التي تُحاط بالمرأة الفلسطينية لمضاعفة الذنوب والخطايا! الفقر والبطالة وتحمل المرأة المسؤولية الاقتصادية للعائلة دفع المرأة الفلسطينية للعمل في المستوطنات، خاصة في حال النساء المطلقات والأرامل ومعيلات الأسر.

انه استخلاص عام توصلت له المؤسسات المعنية، وآخرها نتائج المشروع الاستكشافي الذي قامت به جمعية مدرسة الأمهات الذي تعامل مع خمس وعشرين عاملة، ما أجبرها على اجتراع المرّ إلا ما هو أمرُّ منه.لولا مرّ العيش وذلّ السؤال وضيق ذات اليد، لما عملت المرأة في وسط أقل ما يُقال فيه أنه وسط وبيئة معادية وعنصرية، لا تأمن فيه على حياتها، تتعرض للتهديد وللمخاطر وللاستغلال.

إنهن يخرجن في الصباح الباكر لمواجهة المجهول؛ أثناء وبعد الوصول إلى العمل، ويعُدنَ من العمل في ساعات متأخرة من الليل، إنهن خجلات من عملهن، حيث تُنتهَك كرامتهن في سبيل لقمة مرّة تسدُّ رمق عوائلهن، وتحفظ بعض كرامتهم المهدورة، انهن بانتظار البدائل والحلول.

السؤال المطروح، لماذا فشلنا في توفير فرص عمل للعاملات على الأقل، المرتبط بفشلٍ أكبر ممثَّلاً بتطبيق قانون منع العمل في المستوطنات؟ في معرض نقاش الاخفاق في تقديم البدائل الكريمة، لا حاجة للبرهنة أن التعامل مع ظاهرة العمل في المستوطنات الشائكة، لم يرتقِ لدرجة التعامل معها كقضية، لا بد من الاعتراف أنه لم يكن لدينا خطة للتعامل مع قانون المنع، ولم ينجح المجتمع المدني في الضغط على المستوى الرسمي لوضعها، ولا بد من الطرق بقوة على باب تراجع أداء حملات المقاطعة أو مراوحتها، مسارها وموسميتها وتقطعها، عدم انسجام ايقاعها مع مسار دعم المنتج الوطني ولا تستهدفه، الوجه الثاني لمنع العمل في المستوطنات، مسؤولية القطاع الخاص في خلق فرص عمل تستوعب عمال وعاملات المستوطنات.
فما الذي فعلناه عدا الاختباء خلف الشعارات منتهية الصلاحية، وغير الهجوم على العاملات وإلصاق صفة الوصمة بهن، وهن فعلا كذلك لو عُرِض عليهن العمل ورفضنه إن وقع؛ تستوجب المساءلة القصور متهمة به جميع أطراف المسؤولية، المستوى الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع المدني والرأي العام محدودية عدد العاملات على الأقل يقول بوضوح: أن البدائل الكريمة للعمل الأسود ممكنة، لو تم اجتراح الحلول الجذرية الواقعية البديلة \ مساءلة السماسرة الذين يجنون أرباحاً طائلة.

الحلول المستدامة بدءا من استنهاض الأبعاد القيمية للمقاطعة وتحريم العمل في المستوطنات؛ الواجب التوجه نحوها دون تباطؤ.
المطلوب، وقفة وطنية جادة تعالج الظاهرة من جميع الجوانب بدءًا بالعاملات، وأن تتضافر جهود أطراف المسؤولية، السلطة والقطاع الخاص على وجه الخصوص، لوضع خطط عمل حقيقية، ومن بينها طرق باب الدول العربية ودعوتها للمساهمة في الحلّ