وكالات - النجاح الإخباري - منذ تبوأت حكومتنا الرشيدة مقاليد الحكم، وأعلنت تطلعاتها الاستراتيجية بالانفكاك عن اقتصاد الكيان الصهيوني، وانطلقت في برامجها العنقودية، تم رفع رسوم كافة خدمات القطاع العام تقريبا بما فيها رسوم التقاضي، وفي النتيجة حشر المواطنين في زاوية التشليح والابتزاز المادي لتمويل خزينة السلطة، إضافة للتغاضي عن الرفع الفلكي لرسوم وفوائد القطاع المصرفي ورسوم التأمين والاتصالات وخدمات هيئات الحكم المحلي وأسعار المواد الغذائية، وفي النتيجة نفخ إيرادات القطاع العام وأرباح القطاع الخاص من جيوب الغلابا.

وعلى الرغم من ظهور بعض الأصوات الخافتة التي تحفظت على قائمة الرسوم والغرامات وأسعار الخدمات في القطاعين العام والخاص، إلا أن المعظم يكتفي ب "الامتعاض العارض"، ونستمر جميعا في دفع المعلوم من قوت أطفالنا وعرق الجبين لتمويل رفاهية الحكومة وحيتان القطاع الخاص والتجار الكبار.

لمواجهة جفاف مواردها بخطوات عملية، لا تقوم حكومتنا الرشيدة بأي جهود تذكر للعمل بموجب موازنة تقشفية، ولا تتبنى أي خطة لتقليص العجز المستفحل، وتستمر بتعويض تراجع مواردها بقرصنة جيب المواطن والمصالح الإقتصادية والإقتراض من القطاع المصرفي. وفي الوقت الذي بالكاد تدفع الحكومة نسبة من رواتب موظفيها نتيجة لفشلها في تأمين فاتورة الرواتب كاملة، فهي مستمرة في إنكار حاجتها لثورة إصلاح إداري ومالي "وأخلاقي"، ومستمرة في تمويل السفريات الخارجية لكبار موظفيها والبذخ وشراء المركبات وتسمين القطاع العام بموظفين جدد والإمتناع عن رصد موازنات تنموية، والكثير من السلوكيات التبذيرية في مجالات عملها، والأهم تقوم بانقلاب قانوني سافر لخنق القطاع الخاص والسيطرة على موارده واختراع قوانين وإجراءات لتأميمه، كما هو الحال في قطاعي المحاجر والكهرباء كمثال.

إضافة الى ما سبق، يبدو أننا على وشك الغرق في دوامة استقواء مؤسسات الحكم المحلي على قوت يومنا مالياً، وخاصة البلديات الكبيرة والمركزية، التي تخترع الكثير من القرارت والإجراءات لزيادة الجباية من جيوب المواطنين لتعويض النهب الذي تقوم به الحكومة من مقدراتها.  وبدلا من الإحتجاج على الحكومة والضغط عليها للإفراج عن مقدراتها المختلفة من رسوم وضرائب، تقوم باختراع قرارات رفع الرسوم، أي رسوم، والتي كان آخرها مثلا رفع رسوم المعارف وضريبة الأملاك (رفعتها الحكومة) والمجاري وغيرها بمبالغ فلكية.

في المقابل، تقوم بعض البلديات الكبيرة بهدر المال العام من خلال تنشاطات تجميلية لا تخدم في معظم الأحيان إلا شخص المجلس البلدي، وخاصة رئيسه، بما في ذلك مثلا صرف مبالغ تصل الى مليون شيقل في بعض البلديات لتزيينها خلال شهر رمضان الفائت.

على الرغم من حالة الخمول والإستكانة التي يتصف بها شعبنا في الدفاع عن كل ما يمس مصالحه تقريبا، إلا أن التسليم بالرفع المستمر لتكلفة المعيشة من قبل الحكومة والمنتفعين في القطاع الخاص وشركات الإمتياز ومؤسسات الحكم المحلي سيعمق انتشار الفقر والحاجة، وسيكون المتضرر الأساسي من ذلك أطفالنا وشبابنا وشاباتنا، الذين هم مستقبلنا. 

إن هذه الإجراءات والسلوك والتعسف بحق قوت المواطنين سيقودنا باتجاه واحد لا غير، ألا وهو التقوقع خلف مصالحنا الشخصية الضيقة والتفرغ لتأمين قوت يومنا بالكاد، "ومش مهم الباقي".  إن سطوة الجوع أقوى من أية مبادئ، وإن هذا الإستقواء الذي يعم البلد سيؤدي في النهاية الى انهيار السلم الأهلي.

نعلم جميعا أن الحكومة تمر بأزمة مالية مزمنة، وإننا نتفهم جزئيا حاجتها للموارد للقيام بوظائفها الأساسية لخدمة المواطن.  ولكنها لا تبذل الجهود لحل مشاكلها بالتقشف والإصلاح الإداري والمالي، وتعمل على مقاسمة القطاع الخص موارده عملا بمنظومة "الخاوة" على الجميع "عينك عينك"، ولا نلمس أنها تقوم بإجراءات تقشف ذات معنى.

إن التعايش مع استقواء الكل على جيب المواطن مرفوض قطعيا، وعلى الرغم من وجود منظومة تشريعية لحماية المستهلك، إلا أنها مركونة جانبا وقد عطلت وزارة الإختصاص عمل المجلس الوطني لحماية المستهلك، وفشلت شبكة جميعات حماية المستهلك التي أنشأتها وزارة اقتصاد الوطني في تأدية مهامها نظرا لغياب الرقابة عليها وعدم مساءلتها في برامجها وسيطرة الأجندات الفردية عليها.

الخلاصة، لا بد من رفض الرفع المستمر لتكلفة المعيشة، وغض الحكومة والقطاع العام نظره عن استفحال الرسوم وأثمان الخدمات التي يقدمها أركان القطاع الخاص ومؤسسات الحكم المحلي.  إن صمت فصائل العمل الوطني على ذلك يعتبر تواطئاً ضد مصالح "الجماهير" التي تدعي بأنها تمثلها، وإن صمت مؤسسات المجتمع المدني وتخاذلها في القيام يمهامها المركزية وهي الدفاع عن مصالح المجتمع ككل يعتبر تواطئاً ومشاركة في الإستقواء على المواطنين.

لا بد من التصدي لإجراءات وقررات الحكومة المتعلقة بنهب المواطنين والقطاع الخاص على حد سواء، ورفض إجراءاتها الخاصة بجباية المزيد من الأموال من جيب المواطن لتمويل العجز المالي المستمر لديها.  لا بد من إعادة إحياء المجلس الوطني لحماية المستهلك، وإعادة بناء جمعيات حماية المستهلك، والأهم من كل ذلك تفعيل القوانين المركونة على الرف في كل ما