باسم برهوم - النجاح الإخباري - إذا كان جوهر المشروع الصهيوني هجرة واستيطانا، فإن الوجه الآخر لهذا الجوهر هو سياسة التطهير العرقي وتهويد الأرض، وكلا الأمرين لم يتوقفا على أرض الواقع منذ أكثر من قرن. آخر تجليات سياسة التطهير العرقي، هو هدم خربة حمصة في منطقة الأغوار الشمالية، فإذا كان الهدف هو تهويد وضم منطقة الأغوار إذا سيكون هناك عملية تطهير عرقي ممنهجة للفلسطينيين، من هنا أهمية الصراع الدائر على هذه الخربة، وعشرات مثيلاتها في الأغوار، وإصرار سلطات الاحتلال على هدمها وفي المقابل يصر الشعب الفلسطيني  وقيادته ورئيسه على إعادة البناء، فهناك معركة كسر عظم تدور في كل لحظة.

دعونا نلقي نظرة كيف مارست إسرائيل، كقوة احتلال سياسة التطهير العرقي ويالتحديد في الأرض الفلسطينية التي احتلتها في حرب عام1967 (الضفة، قطاع غزة، والقدس الشرقية)، وهي في نظر القانون الدولي مناطق تم احتلالها بالقوة، وتسري عليها كافة بنود اتفاقية جنيف الرابعة. في إطار هذه السياسة هدمت سلطة الاحتلال أكثر من 53 ألف منزل، ومبنى فلسطيني منذ عام 1967 وحتى نهاية عام 2020. وكانت النتيجة تشريد عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين.

وإذا أخذنا القدس نموذجا، سنلاحظ كيف طبقت سياسة التطهير العرقي قبل عام 1948 وبعده ومن ثم  في القدس الشرقية منذ عام 1967، وهنا لا بد من التنويه إلى أن القدس بشطريها الغربي والشرقي كانت منطقة دولية في قرار التقسيم الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 1947 واحتلت إسرائيل المدينة على مرحلتين. لقد قامت العصابات الصهيونية المسلحة بهدم 39 قرية تابعة للقدس عام 1948 وشردت 198 ألفا من سكانها. ومن المدينة نفسها شردت على ثلاث مراحل 169 ألف نسمة، قبل وخلال حرب 1948 شردت 67 ألف مواطن، وبعد ذلك شردت 30 ألفا، وخلال حرب 1967 شردت 70 ألف مواطن فلسطيني.

وعلى سبيل المثال، وبهدف تهويدها، قامت سلطات الاحتلال بهدم 1700 منزل في القدس الشرقية، في الفترة من عام 2000 وحتى عام 2017. وهناك أنواع عدة من الهدم ولكن النتيحة واحدة هي التطهير العرقي، فهناك الهدم العسكري، الذي يقوم به جيش الاحتلال مباشرة لادعاءات ومبررات عسكرية وأمنية، وهناك الهدم العقابي، أو العقاب الجماعي، وهو هدم منازل أهالي الفلسطينيين بزعم قيامهم بأعمال المقاومة ضد جيش الاحتلال والمستوطنين، وهو هدم ينتهك المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تمنع معاقبة الأبرياء على عمل قام به غيرهم. وهناك أنواع أخرى من الهدم، مثل الهدم القضائي، والهدم الإداري، أي هدم منازل الفلسطينيين المقامة على أرضهم دون ترخيص (..!!!)  وبالمناسبة فإن ذريعة عدم الترخيص، هي واحدة من أساليب التطهير العرقي،  فإن سلطة الاحتلال تضع عراقيل على إعطاء الفلسطينيين رخص بناء في القدس المحتلة، وفي منطقة ج ومناطق الأغوار في الضفة.

إن سياسة التطهير العرقي، بالإضافة إلى أنها سياسة عنصرية بامنياز، فإنها تعتبر جريمة حرب في نظر القانون الدولي. واليوم بعد أن أعلنت محكمة الجنايات الدولية بأن الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية هي ضمن ولايتها، فإن هناك فرصة حقيقية اليوم لمحاسبة إسرائيل على سياسة التطهير العرقي، وهدم المنازل، وسياسة العقاب الجماعي، ومنع الشعب الفلسطيني من حرية الحركة،  وجرائم أخرى مثل الإعدامات الميدانية، وجرائم المستوطنين مثل جريمة حرق الطفل محمد أبو خضير في القدس، وحرق عائلة دوابشة في شمال الضفة.

إن المشكلة التي يواجهها الشعب الفلسطيني باستمرار هي في صمت المحتمع الدولي عن جرائم إسرائيل، وسياسة ازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بمحاسبتها. لقد استمدت دولة الاحتلال التشجيع على ارتكاب جرائمها، عندما صمت العالم عن سياسة التطهير العرقي التي قامت بها العصابات الصهيونية قبل وخلال حرب 1948 وبعدها مباشرة، عندما نفذت هذه العصابات خطة "دالت" التي وضعها بن غوريون وفريقه لتشريد أكثر من 800 الف فلسطيني، عبر ارتكاب عشرات المجازر، وهدم وتدمير 500 قرية وبلدة ومدينة فلسطينية ومسحها عن الخارطة تماما. وبسبب هذا الصمت الدولي تستمر دولة الاحتلال بهدم منازل الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، وهدمها في قطاع غزة عبر الاعتداءات العسكرية المباشرة.. فلا غرابة في ذلك،  فالدول المتنفذة في هذا العالم هي صاحبة المشروع الصهيوني القائم أساسا على ممارسة سياسة التطهير العرقي، وهذه الدول اليوم تحاول منع محكمة الجنايات الدولية من ممارسة دورها في محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، فأي نفاق هذا الذي نشهده بخصوص حقوق الإنسان، أما أن هذا العالم يكتفي ببيانات الاستنكار عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.

المعركة الدائرة هذه الأيام في خربة الحمصة تلخص الصراع كله، كما في القدس والخان الأحمر، وكل مناطق الضفة الفلسطينية، سياسة تطهير عرقي صهيونية عنصرية يقابلها صمود الشعب الفلسطيني  على أرض وطنه، هذه هي الحقيقة التي لن يحجبها النفاق الدولي.

 

نقلا عن الحياة الجديدة