سائد نجم - النجاح الإخباري - مزيج من المشاعر المتناقضة التي تجتاح الفلسطيني المفعم بثقافة الحرية والمقاومة ما أن يبدأ العمل داخل الأراضي المحتلة والمستوطنات، حتى تتكسر حواجز يضطر فيها إلى التعامل مع "إسرائيليين" يهود في علاقة يحكمها "المال مقابل العمل"، فيصاب العامل بحالة من اليأس والخضوع، للاحتلال الذي كان يراه عدواً قد أصبح سبب رزقه، هكذا يصف الشاب سعيد قطوش (24 عامًا) تجربته، وربما تجربة العديد من هم مثله.

يروي قطوش لـِ "النجاح الإخباري" كيف اُصيب بالإحباط لحظة تخرجه من جامعة بيت لحم بدرجة بكالوريوس في دراسة الكيمياء، حين صُدم بواقع مهني صعب، وفرص قليلة برواتب زهيدة، ليتوجه بعدها إلى العمل بالمستوطنات ليجني ما هو وفير مقارنة بالعمل في أراضي الضفة.

أغلب العاملين في هذا القطاع متأثرون باليهود على أنهم سبب رزقهم ، وفق ما قال قطوش، فتراهم يقدمون تنازلات مقابل الحفاظ على تصريحهم، وكي لا يرتفضوا أمنيًا، في سبيل الحفاظ على رزقه ورزق أطفاله، ناسيًا أن رزقه على الله.

على الرغم من وفارة المردود، إلا أن التجربة مأساوية على سعيد، الذي يرى أن يومه الذي يبدأ بمشقة كبيرة يذهب في بناء رفاهية سيعيشها مَن كان يراهم أعداءً في السابق.

في المقابل، تبرز المفارقة بتجليها النقيض في شريحة العمال الذين تشربوا الثقافة "الإسرائيلية" والتي لم تنعكس على اللغة فحسب، بل امتدت لتصل إلى الأغاني والمصطلحات وحالة من الإعجاب بالنموذج الإسرائيلي تعاملًا وطريقةً وحياةً، الأمر الذي يجسده الشاب خالد أبو جورة (19 عامًا) من بيت لحم، في مقارنته لـِ "النجاح الإخباري" بين المعلم اليهودي الذي يثق به ويسخى عليه بالمال، وبين العربي الذي ينصُب عليه ويهلكه بالعمل.

ليس هذا فحسب، فخالد يستمع الأغاني العبرية ويفخر بلقب عبري يطلقه عليه صاحب العمل اليهودي، ويتمنى في حالة إحباط من واقع العيش الفلسطيني أنه لو وُلِد في "إسرائيل".

إن حالة الإعجاب والتماهي والتخلص من القيم الثقافية التي يعانيها الشعب المُستَعمَر، بحسب المختص في علم الاجتماع د. بلال سلامة، ما هي إلا انعكاس لهزيمة ونقص داخلي، في ظل عدم وجود نموذج تحرري، يتحول فيها المواطن من الهم الجماعي إلى الفردي، وبالتالي يُصبح هَم توفير لقمة العيش أكثر أولوية من الحفاظ على المبادئ العامة.

وعليه تنشأ علاقة المشغل المنتصر، د. سلامة مكملاً، مع الأفراد المُحتَلين الذين يعانون الهزيمة، بحيث تكون العلاقة بالمحتل إما سطحية أو جذرية أو نظرة إعجاب، وهنا يشرح ابن خلدون في مقدمته إعجاب المُستَعمَر بالمُستَعمِر.

وهو ما يفسره قيام العمال الفلسطينيين بعد الانتهاء من العمل في عمارة "إسرائيلية" بالتخريب أو التكسير أو السرقة، الذين يحاولون الحفاظ على نوع من الاتساق والإنسجام لِبُعدهم الوطني، على الرغم من كل التناقض.

على ناصية الطريق بالقرب من الحاجز، يعبر العمال ويتلو عليهم قارئ "أهلاً بالذاهبين إلى مشقة الحياة، من أجل الحياة".