طلال عوكل - النجاح الإخباري - على غير ما يتفق عليه أهل العلم والحكمة، تستعر المعركة الإعلامية في الساحة الفلسطينية، عشية اعتلاء الرئيس محمود عباس منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإلقاء خطاب باسم الشعب الفلسطيني أمام المجتمع الدولي.

لم تكن العلاقات الوطنية، قبل ذلك في حال جيدة، فلقد أدى تعطل المصالحة والتهدئة إلى اندلاع اشتباك إعلامي، طافح بلغة الاتهامات الصعبة، غير ان ذلك الاشتباك تصاعد إلى حدود لا تصلح إلا للتعبير عن علاقات بين أعداء، وليس بين أشقاء تتعرض قضيتهم إلى أشد المخاطر. لا نعرف ما الذي دار في لقاء وفد الأمن المصري مع قيادة حركة حماس في غزة مؤخرا، لكن التصعيد الذي تزامن مع مغادرة الوفد الأمني يشير إلى ان نتائج تلك اللقاءات كانت على الأرجح سلبية، ظهرت معالمها أو مؤشراتها في ردود الفعل على الرئيس وخطابه المرتقب في الأمم المتحدة. كتلة حماس وحدها في المجلس التشريعي المعطل، عقدت اجتماعا تم تخصيصه في اتجاه نزع الشرعية عن الرئيس محمود عباس، واعتباره لا يمثل الكل الفلسطيني. خطاب نزع الشرعية تزامن مع حملة اعتقالات سياسية متبادلة طالت عشرات الكوادر من قبل كل طرف اتجاه الطرف الآخر، كل في مكان ممارسة سلطته وسيطرته. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن بعض كوادر فتح، وعلى رأسهم الناطق باسمها الدكتور عاطف أبو سيف، تعرض لاعتداء آثم، وتحركات لمنع أي تجمع أو نشاط يستهدف التعبير عن دعم شعبي للرئيس خلال إلقاءه الخطاب الذي تعرض للتشكيك والانتقاد السلبي، عبر وسائل الاتصال الجماهيري في مختلف أدواتها وأشكالها. ما يحصل غريب على قواعد الحوار، وغريب على قواعد العمل السيساي والأخلاقي الوطني حيث تفترض المصلحة الوطنية، إدارة التناقضات الداخلية بطريقة مختلفة تماما. تفترض قوانين العمل السياسي الوطني تراجع التناقضات الداخلية أمام فجاجة التناقض الرئيسي.

نختلف فيما بيننا، ولكننا نتفق حين يتعلق الأمر بمواجهة المخاطر التي تهدد الكل الفلسطيني وقضية وحقوق الفلسطينيين. تتسائل عن الهدف من وراء مثل هذه السياسة، خاصة أن رسالة التشكيك في شرعية الرئيس، وفيما يرد في خطابه لم تصل إلى المجتمع الدولي، وهي لم تتجاوز تأثيراتها السلبية جدا على المجتمع الفلسطيني، الذي لا ينقصه المزيد من الإحباط واليأس والتحريض. معركة التشكيك والتأييد امتدت إلى ما بعد القاء الرئيس خطابه، الذي يحتمل بعض الملاحظات، لكن بعض هذه الانتقادات لا تبقي شيء من الإيجابية في الخطاب. عمليا الخطاب يطرح أمام المجتمع الدولي المظلومية الفلسطينية، ويؤكد على الموقف السياسي الثابت من الحقوق الفلسطينية، ومن صفقة القرن والسياسات والمخططات الأمريكية الإسرائيلي، ويقدم توصيفا دقيقا لطبيعة وهوية السياسة الإسرائيلية التي تنزلق أكثر فأكثر نحو العنصرية والعدوانية، وأيضا لطبيعة وهوية السياسة الأمريكية المعادية للشعب الفلسطيني.

الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تتكون من مئة وأربعة وتسعين دولة، ليست المقام الذي تعلن من على منبرها الاستراتيجيات الوطنية، خصوصا وأن الفلسطينيين لم يقرروا بعد طبيعة وماهية هذه الاستراتيجيات، وهي امر يحتاج إلى توافق وطني غير متوفر في هذه الأيام بسبب استمرار الانقسام. غير أن ثمة آليات لعمل الجمعية العامة للأمم المتحدة تسمح بعد إلقاء الخطابات بتقديم مشاريع قرارات يجري التصويت عليها وهو أمر ينتظر من الفلسطينيين أن يتحضروا له.

ربما كان من الأفضل أن يتجنب الرئيس مسألة كيفية معالجة الانقسام الفلسطيني، والتهديد باتخاذ اجراءات بحق غزة لأن طبيعة الحضور لا تشير إلى اهتمام بهذه المسألة، التي تشير إلى ضعف الوضع والموقف الفلسطيني، في مقام يحتاج فيه الفلسطينيون إلى إظهار قوتهم المستندة إلى قوة الحق، وعدالة القضية، كما تعبر عنها الأمم المتحدة من خلال مئات القرارات. في مطلق الأحوال فإن الأمم المتحدة بكل مؤسساتها ليست سوى ساحة معركة، تنتصر من خلالها بالنقاط، ولا يمكن أن تنتصر بالضربة القاضية طالما ان النظام الدولي على حاله، وهو أقرب إلى الصمت وعدم القدرة على تحريك وسائل قوة كافية لردع الولايات المتحدة التي تحتضن إسرائيل مئة بالمئة كما قال الرئيس دونالد ترامب بعد لقاءه ببنيامين نتنياهو.