النجاح الإخباري - هاجمت صحيفة "نيويورك تايمز" الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشيرةً إلى أنه يتلاعب بالحقائق ويشوّه الواقع لتحقيق أهدافه.

وجاء في تحليل لمراسلها بيتر بيكر أن ترامب صرّح الأسبوع الماضي بأن الولايات المتحدة أرسلت 50 مليون دولار من الواقيات الذكرية إلى حركة حماس، وأن برامج التنوع قد تسببت في تحطم طائرة، وأن الصين تسيطر على قناة بنما، وأن أوكرانيا هي التي بدأت الحرب مع روسيا.

وأضافت الصحيفة: "باستثناء أن شيئًا من هذا ليس صحيحًا. لكن ذلك لا يثني الرئيس ترامب عن تكرار مزاعمه. فمنذ عودته إلى السلطة، أظهر مجددًا استعداده الصريح لتعزيز التشويهات ونظريات المؤامرة والمعلومات المضللة لتبرير قرارات سياسية كبرى".

وتابعت: "لطالما كان ترامب غير مقيد بالحقيقة عندما يتعلق الأمر بالتباهي بسجله السياسي أو مهاجمة خصومه. لكن ما كان يُطلق عليه "حقائق بديلة" في ولايته الأولى، أصبح بسرعة واقعًا بديلاً في ولايته الثانية، حيث يُعِدّ الأرضية لتغييرات جذرية بينما يسعى إلى إعادة تشكيل أميركا والعالم بصورة أكثر حدة".

وفي سياق حديثها عن خطاب ترامب، قالت الصحيفة: "إذا كانت وكالة التنمية الدولية قد ارتكبت خطأً جسيمًا بإرسال مساعدات إلى مجموعة مصنفة كإرهابية في غزة، كما يزعم، فإن ذلك قد يستدعي إعادة النظر في إدارتها. وإذا كانت برامج التوظيف المعتمدة على التنوع تهدد السلامة الجوية، كما يدّعي، فقد يستوجب ذلك مراجعتها. وإذا كانت الصين تسيطر بالفعل على الممر الاستراتيجي عبر القارة، فقد يتطلب الأمر تحركًا أميركيًا. وإذا كانت أوكرانيا المعتدية، فإن عليها تقديم تنازلات لموسكو".

ويقول جوليان إي. زليزر، أستاذ التاريخ في جامعة برينستون: "إحدى أكبر أدوات ترامب السياسية هي قدرته على صياغة روايته الخاصة للأحداث. لقد رأينا مرارًا كيف يخلق واقعًا موازياً لتبرير قراراته، متجاهلًا التحذيرات والتحليلات الموضوعية".

وأضاف أن ترامب يستخدم أساليب التسويق والتلاعب بالخطاب السياسي بنفس الطريقة التي يتبعها في مجال العقارات وبرامج الواقع، ما مكنه لسنوات من فرض روايته للأحداث على الرأي العام.

وفي مثال على ذلك، واصل ترامب الإصرار على أنه بنى "أعظم اقتصاد في التاريخ" خلال ولايته الأولى، رغم أن العديد من المؤشرات الاقتصادية لا تدعم هذا الادعاء. كما رفض مرارًا تقارير الاستخبارات بشأن التدخل الروسي في انتخابات 2016، لدرجة أن العديد من أنصاره تبنّوا موقفه في إنكار التدخل.

وعلى صعيد آخر، قاد ترامب حملة استمرت لأربع سنوات لإقناع الأميركيين بأنه لم يخسر انتخابات عام 2020، رغم أن جميع التحقيقات أكدت عدم وجود تزوير واسع النطاق، ومع ذلك، لا يزال معظم الجمهوريين مقتنعين بأن الانتخابات قد سُرقت، وفقًا لاستطلاعات الرأي.

وفي تحول لافت، أعاد ترامب وصف أحداث 6 يناير 2021، حيث اقتحم أنصاره مبنى الكابيتول لمنع نقل السلطة، من "هجوم شنيع"، كما وصفه سابقًا، إلى "يوم من الحب"، مبررًا بذلك عزمه على العفو عن المئات من المتهمين، بمن فيهم أولئك الذين اعتدوا على رجال الشرطة.

وترى روث بن غيات، مؤلفة كتاب "الرجال الأقوياء: من موسوليني إلى الحاضر"، أن "ترامب يتمتع بقدرة فائقة على الترويج لنفسه وصياغة روايات مؤثرة"، مشيرةً إلى أنه "يستخدم أساليب دعائية مشابهة لتلك التي اعتمدها قادة استبداديون في الماضي".

وأضافت الدكتورة بن غيات أن "المثير للاهتمام أن ترامب يروّج لادعاءاته في بيئة ديمقراطية ذات إعلام حر، وليس في نظام استبدادي محكم السيطرة"، لكنها لفتت إلى أن بعض أساليبه تتشابه مع ما يُمارَس في الأنظمة غير الديمقراطية.

أما المؤرخ بنجامين كارتر هيت، المتخصص في دراسة الدعاية خلال الحرب العالمية الثانية، فقال إن "نوع التضليل الإعلامي الذي نراه اليوم ليس جديدًا، فقد شهدت الصحافة الألمانية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي حملات مماثلة".

ومن المعروف أن مساعدي ترامب أدركوا ميوله نحو المبالغة والتحريف، إذ تكيف بعضهم مع أسلوبه، بينما فضل آخرون النأي بأنفسهم عنه. ويقول جون إف. كيلي، رئيس موظفي البيت الأبيض السابق: "كثيرًا ما كان ترامب يطلب منا تكرار ادعاءات يعلم أنها غير صحيحة، وعندما كنت أعترض، كان يجيبني: 'لكنها تبدو جيدة'".

أما ستيفاني غريشام، التي عملت كمتحدثة باسم البيت الأبيض، فأشارت في مذكراتها إلى أن "الخداع كان منتشراً في البيت الأبيض كما لو كان جزءًا من نظام التهوية".

وقال أنتوني سكاراموتشي، الذي شغل منصب مدير الاتصالات لفترة وجيزة: "ترامب بنى أسلوبه السياسي على المبالغة والتلاعب بالحقائق، وهو يعتقد أن ذلك يحقق له النجاح".

وفي مثال آخر على استراتيجيته في إعادة صياغة الحقائق، بعد أن نفى الصحفيون صحة مزاعمه حول إرسال 50 مليون دولار كواقيات ذكرية، لم يكتفِ ترامب بالإصرار عليها، بل زاد المبلغ إلى 100 مليون دولار.

وإحدى أبرز محاولاته لتغيير الرواية التاريخية كانت في تصريحاته الأخيرة بشأن أوكرانيا، حيث ادّعى أن كييف هي التي بدأت الحرب مع روسيا، بينما دافع عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما اعتبره المحللون محاولة لإعادة رسم المشهد السياسي لصالح موسكو.