د. مؤيد الحطاب - النجاح الإخباري -   انتهت اعمال المجلس الوطني صباح اليوم وصدر بيانه الختامي عن دورته العادية الثالثة والعشرين والتي سميت بدورة القدس وحماية الشرعية الفلسطينية. ورغم انها تاتي تحت بند الدورة العادية الا انها لم تكن في كثير من محطاتها دورة عادية على الاطلاق، فقد سبق انعقادها الكثير من التجاذبات حول مستوى التمثيل، ورفض البعض انعقادها في مدينة رام الله، كما ان السعي لمشاركة حركتي حماس والجهاد لم تكلل بالنجاح، اضافة الى اقتراب موعد نقل السفارة الامريكية الى القدس في منتصف الشهر الحالي. 
في ظل تلك التراكمات تمكن المجلس من الانعقاد رغم مقاطعة الجبهة الشعبية وبعض الشخصيات الوطنية والمستقلة المشاركة، وتم تحقيق النصاب القانوني لاستمرار اعماله مما يعتبر انجازا هاما لقدرة القيادة على عقد جلسات المجلس والتغلب على الازمة. كما ان انعقاد المجلس قد جدد الشرعية القانونية والوطنية للمنظمة وفرض وجودها ممثلا للشعب الفلسطيني امام الدول والمنصات الدولية. ورغم اعتراض الشارع الفلسطني على عدم وضوح الاسس التي اعتمدت في اختيار بعض اعضاء اللجنة التنفذيه الخمسة عشر واعتراض اخرون على غياب الية الترشح والانتخاب المباشر، الا ان ترك المجال لانضمام اعضاء ثلاثة اخرون بما يسمح لوجود ممثلون عن الجبهة الشعبية وحركتي حماس والجهاد لوقت لاحق، قد لاقى استحسانا عاما في الشارع الفلسطيني. 
في المقابل ناقش المجلس الكثير من القضايا الملحة والهامة في هذه المرحلة الخطيرة، وخرج بتوصياته التي اعلن عنها صباح اليوم، مما فتح بباب النقاش حول مدى تمكن المجلس في توصياته من تحقيق المستوى الادنى المطلوب لتوقعات الشعب الفلسطيني، وتطلعاته الى المستقبل النضالي ونيل الاستقلال. ومن اهم تلك الملفات التي نوقشت هي ملفات الاحتلال، والوحدة الوطنية، والعلاقة مع الدول الاخرى.  
 
ملف الاحتلال: 
جاء البيان الختامي مشتملا على تعبير هام وهو ان العلاقة التي تربط الشعب الفلسطيني مع الاحتلال هي علاقة صراع حتى تحقيق الاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية ضمن حدود ال 1967 بما فيها القدس عاصمة ابدية لها. كما نص على دور المقاومة الشعبية واهمية بقائها في مواجهة الاحتلال حتى تحقيق الاستقلال. في المقابل اكد المجلس على ان الاحتلال قد تنصل من جميع الالتزمات المتفق عليها سابقا، مما يرتب انهاء الاتفاقيات التي وقعت مع الاحتلال والمتعلقة بالفترة الانتقالية.  ولعل ابرز ما طالب به المجلس الوطني هو تعليق الاعتراف بدولة الاحتلال حتى تعترف الاخيرة بدولة فلسطين، وتكليف اللجنة التنفيذية والقيادة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله والتحرر من علاقة التبعية الاقتصادية التي كرسها بروتوكول باريس، بما في ذلك المقاطعة الاقتصادية لمنتجات الاحتلال. 

هذه القرارت تعيد لمنظمة التحرير وطبيعة الصراع السياسي الى ما قبل اتفاق اسلو، ولكنها في المقابل تفتقر الى الالية الواضحة في كيفية ومدى امكانية تطبيقها. فالعودة بالتاريخ الى الوراء هو  امر يصعب تنفيذه، خصوصا ان هناك مراكز قانونية، واقتصادية ودولية قد نشأت ولا يمكن الغاؤها بين ليلة وضحاها. فكان من الواجب على المجلس، اذا كان جادا بتنفيذ قرارته تلك، ان يقوم بتكليف هيئة قانونية واقتصادية وسياسية لدراسة سبل تنفيذ القرار واثره العملي على المستقبل الواقعي للفسطينيين في الداخل والخارج، ووضع جدول زمني مدروس للتنفيذ مراعيا العلاقات الدولية وسبل الخروج الامن من تلك الالتزمات.  

كما اغفل المجلس كيفية التعامل الفاعل مع ملف الاستيطان وسعي الاحتلال لابتلاع الضفة عبر سلسة من القوانين الاسرائيلية والاجراءات الاستعمارية التي تهدف الى فصل الضفة تماما عن غزة من جهة، وتفتيتها بشكل يسمح للاحتلال من ضم معظم ارضي الضفة الى دولة الاحتلال. هذا الملف رغم خطورته لم يتم بحثه بشكل مكثف ولم يقم المجلس بوضع اي رؤية واقعية او خطوات عملية لافشاله. 
 
الملف الامريكي والدولي: 
جاء قرار المجلس المركزي برفض قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتعلقة بالقدس، وخططه الغير شرعية في حل الصراع على حساب الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين، مستقيما مع توقعات الشعب الفلسطيني وداعما لموقف القيادة الرافض للتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة، كونها فقدت أهليتها كوسيط وراع لعملية السلام. 

ورغم ان قرار المجلس يؤكد على الثوابت الفلسطينية التي لا يمكن لاحد التنازل عنها، خصوصا فيما يتعلق بالقدس وحل ملف اللاجئين، الا انه يحتاج ايضا لمزيد من الاجراءات العملية لدعمه. فالتوجه للقضاء الدولي والقضاء الامريكي الداخلي هو احد السبل التي كان يجب تفعيلها، كما ان العودة الى دعم دول ذات نفوذ دولي هو امر بات محتم في ظل افتقار الفلسطينيين للرعاية العربية الحقيقية. ففي السابق كان لمنظمة التحرير هوية واضحة في علاقاتها الدولية خصوصا مع الدول الداعمة لحق الشعوب في الحرية وتقرير المصير حيث تمكنت من خلال تلك العلاقات من تعزيز وجودها وتمكنت من مواجهة جميع المؤامرات التي هدفت الى اسقاط الحق الفلسطيني في تقرير المصير. لقد ادى خسارة منظمة التحرير لعلاقاتها مع بعض الدول المؤثرة الى وضعها الحالي في مواجه الاحتلال ومن خلفه الادراة الامريكية بشكل منفرد، مما اضعف تاثيرها الدولي واضعف من قدرتها على التصدي للقرارات الامريكو-صهيونية. فعلى سبيل المثال، لم يجد قرار المجلس الوطني بتعليق الاعتراف باسرائيل، رغم اهميته، اي صدى او اثر فاعل في الاعلام الدولي مما يوجب اعادة النظر في كيفية تعزيز قدرة المنظمة على التاثير الدولي. 

وبالتالي يجب على المنطمة ان تعيد رسم سياستها مع بعض الدول المحورية، بحيث تتمكن من تحديد بوصلة واضحة في علاقاتها الدولية، بما لا يؤدي الى خسارة العلاقات التي اكتسبتها السلطة او المنظمة مع الدول وخصوصا الاوروبية من جهة، وتعزيز الارتباط بدول اخرى محورية تم اغفلها رغم اهميتها في دعم القرار الفلسطيني والضغط الدولي لانفاذه، من جهة ثانية. 
 
الملف الداخلي والمصالحة. 
لقد تمكن المجلس من اثبات الدور الوطني المتعلق به في دعم ملف المصالحة، وانهاء الانقسام، ورفع اي اجراءات من شأنها ان تزيد من معانات اهلنا في غزة. واكد على إدانة محاولات حكومات الإحتلال المتعاقبة لتكريس الفصل بين الضفة والقطاع، وان المطلب الوطني على تكريس وحدة أرض دولة فلسطين، في غزة والضفة بما فيها القدس، هو ضرورة ملحة في مجابهة التحديات، فلا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة

لقد كان خطاب الرئيس في الجلسة الختامية، والذي أكد فيه ان لا عقوبات يمكن ان تفرض على غزة، وان حركة حماس والجهاد مرحب بهما في اللجنة التنفيذية، خطابا هاما وضروريا ومنسجما مع توجه المجلس والشعب الفلسطيني في ضرورة الاسراع في طي ملف الانقسام والتجاذبات الاعلامية والسياسية السابقة. كما ان دعوة المجلس الى التنفيذ الأمين والدقيق لكافة الاتفاقات والتفاهمات الموقعة بين فصائل العمل الوطني وقواه الوطنية وصولاً إلى الشراكة الوطنية الشاملة من خلال إجراء انتخابات عامة وعقد مجلس وطني جديد، جاءت ايضا متفقة مع توجه الشارع الفلسطني والمصلحة الوطنية العليا. كما ان تاكيد المجلس على ضرورة تسلم حكومة الوفاق الوطني كامل صلاحياتها في إدارة قطاع غزة على الفور، يعتبر الاساس والامل الوحيد في انهاء ملف الاقسام، وحتى تتم معالجة الأوضاع الصعبة التي تواجه أهلنا في قطاع غزة

لكن المجلس لم يتطرق الى كيفية ترتيب البيت الداخلي، ودور المنظمة المستقبلي في ذلك، ولم يضع اي خطط بديلة لمواجه التحديات او العقبات الداخلية في حال حدوث امر طارئ. فمثلا نقل السفارة الامريكية قد يؤدي الى تداعيات مختلفة قد تخرج عن حد التوقعات، كذلك موقف الدول الاجنبية قد يتغير سلبا او ايجابا حول السلطة الفلسطينية، او قد يقوم الاحتلال باجراءات معينة لمحاصرة السلطة الفلسطينية او الاعتداء على غزة. كل تلك السناريوهات وغيرها قد تخلق ظروفا مغايرة للواقع، او امورا خارج دائرة المتوقع. فلماذا لم يقم المجلس الوطني بوضع اي خطة بديلة لمواجهة تلك المعطيات؟  

لقد كان امام المجلس فرصة ذهبية لدراسة الامكانيات الحالية ووضع الخطط المستقبيلة فيما يتعلق بالبيت الداخلي، فهنالك العديد من القضايا الملحة والتي تحتاج الى توافق اذا اردنا تجنب مزيد من الانقسامات او الدخول في نفق مظلم. ان دراسة الوضع القانوني للمؤسسات، سواء تلك التابعة للسلطة او المنظمة، والعلاقة فيما بينها، وضروة ترتيب دور السلطات الثلاث وعلاقتها مع الشعب او المنظمة، ودور المجلس التشريعي والقانون الاساسي او الدستور، في المرحلة القادمة لم يتم التعامل معها بشكل فاعل، او على الاقل بشكل يجنبنا فراغا سياسيا او قانونيا في المستقبل. كان من المفترض ان يتم وضع خطة مستقبلية لتجنب مزيد من الازمات من خلال تشكيل هيئة تنسيق مع جميع الفصائل الوطنية، بما فيها الحركات الاسلامية، للاتفاق على الحد الادنى من التوافق على المرحلة القادمة في حال حدوث اي طارئ او امر مفاجئ. 

هذه الملفات الداخلية وما سبق الاشارة اليه من ملفات لابد ان تكون على سلم الاولويات لاجتماع الجنة التنفيذية والمجلس المركزي القادم. نتمنى ان يم معالجة جميع ما سبق من ملفات في الجلسة القادمة للمجلس المركزي وان يقوم المجلس بوضع خطط وبدائل واقعية للتاعمل مع ما سبق بما يضمن وحدة الصف الوطني والقدرة الفاعلة على مواجهة التحديات المختلفة. 

* كاتب وباحث فلسطيني، محاضر في كلية القانون