منال الزعبي - النجاح الإخباري - "رغم الحروب التي مرت بها غزة ما تبلدت مشاعرنا ولا اعتدنا المشهد، إلا أنَّ الحرب هذه المرة، صبت البلاء على رؤوسنا صبًا، ولا زلنا نخضع لأصعب امتحان بالعمر".

كلمات قاسية تسرد بها الطالبة دينا بدر ملاحي، ابنة مدينة غزة التي صارت قطعة لحم في هاون الاحتلال يدكها دكًا،  تقول: "أكثر ما يخاف الإنسان ويخشى في هذه الدنيا هو الفقد والشتات والهوان، وهو ما قد حصل لنا حرفيًّا، هذه الحرب لحظة حاسمة قلبت الموازين، لغت كل مراسم الحياة البشرية في القطاع بأكمله، صرنا نتمنى لو يعود يوم واحد عادي نلقط فيه أنفاسنا المكتومة" .

وحول قصتها في الحرب تروى: "كنت طالبة علم نفس إكلينيكي أواصل الليل بالنهار لأحقق حلمي وأصبح مرشدة نفسية، فأمر النفس وعوالمها يهمني ويجذبني، وضعت هذه الحلم لقبًا إلى جوار اسمي عبر الفيس بوك"أخصائية نفسية قيد الإنشاء"، حيث كنت في مرحلة بناء الذات على أبواب التخرج لأنطلق في حياتي،  لكن الحرب كان لها رأي آخر، لم تكتفِ بسلبنا الأمن والأمان، أوقفت الزمن لتنقلنا عبر صواريخها إلى أزمان بدائية قديمة غابت فيها ملامح البلاد والعباد،هدم البيت فوق رؤوسنا، جربنا الموت ونحن على قيد الحيا، ثم شاء الله أن نخرج من تحت الركام، لكن ليس كما كنا أبدًا، خاصة الأطفال الذين شابت رؤوسهم من هول الصدمة وكأنهم صاروا أشباحًا، خسرنا ستة أفراد من العائلة، استشهدت جدتي وأعمامي الثلاثة وبناتهم."

وتكمل بأسىً يقطع  الأنفاس، تفاصيل هدم البيت فوق رؤوسهم: "كنا في الشمال،  فقالوا لنا أخرجوا إلى الجنوب لعله أكثر أمانًا، وبعد يومين قصف الاحتلال البيت وكان ما كان، ألقوا قنابل الفسفور ولم نتمكن من الهرب، وقع البيت علينا، وفقدنا ستة من الأحبة، ومن فضل الله علينا أن خرج الأحياء منا من تحت الردم، بينما بقيت جثثهم تحته شهرا كاملًا".

وتكمل: "من الشمال إلى الوسطى ثم إلى الجنوب، في رحلة راكمت علينا الهموم والبكاء، حتى ما عدنا ندري كيف نبكي!  بعد شهر عدنا إلى البيت وبذلنا المحاولات لاستصلاح جزء منه نلجأ إليه بدل الشتات في الشوارع وبين الخيام، الظروف التي مرّت وتمر أصعب من أن توصف وأقسى من أن تطاق، لا خبز ولا ماء ولاطعام، صدمة وحرمان وفقر، وجوع كافر يأكل الأمعاء بلا رحمة.

ما نعيشه يفوق قدرة البشر على التحمل، الأمر بحاجة لقوة إلهية خارقة تلغي آثار ما كان، وصرنا نرجو رحمة الله، مهددون بالموت قصفا أو جوعا أو خوفا، وربما بردًا في شتاء كان الأقسى، أو جفافًا في صيف هو الأصعب، حتى أننا نتساءل: هل هذه أهوال جهنم؟

ولأن الحياة لا تتوقف ولا تنتظر أحدا، ولتمسكي بحلمي الذي صار قشة الغريق، كانت مبادرة جامعة النجاح التي حملت اسمًا يدل على النجدة، "يدًا بيد" فعلا كانت اليد التي انتشلت حلمي، فسارعت بالإنتساب إليها كونه الفصل الأخير لتخرجي، ورغم الصعاب الجسام كضريبة للحرب وتوابع لها، كانت من أروع التجارب التي أثلجت صدري، أما بعد أن تتوقف الحرب فستبدأ حرب أخرى أكثر دمارا تتشكف فيها خفايا أصعب من كل ما سبق".