منال الزعبي - النجاح الإخباري -  

من وسط ركام الحرب وخيام الصامدين، ومن فوق أسطح منازل لا تطل إلا على الدمار، تسمع آلاف الأنات لطلبة عصفت الحرب بهم وبطموحاتهم.

حنين عصام الطالبة في هندسة الحاسوب في الجامعة الإسلامية، بعثرت الحرب حلمها وغيرت مسارها وهي صاحبة الشخصية القيادية المتطوعة والمبادرة.

منذ سنتها الأولى في الجامعة الإسلامية سعت حنين للمعرفة وأرادت أن تتميز في عدة مجالات، وألا يقتصر علمها على الهندسة فقط، تعود لذكرياتها غير البعيدة وتروي بغصة خانقة:

"كنت مليئة بالحياة والشغفف، يلح عليّ طموحي الجامح أن أعطي الكثير من التدريبات لزملائي وأبناء جيلي من الشباب من خلال فريق تطوعي أسسته حين كنت في السنة الجامعية الأولى  ويحمل اسم (مسار)".

وانقطعت كلماتها وهي تروي حرصها على العطاء الذي جعلها تمد طلاب وخريجين برنامج Access التابع لمؤسسة الـ Amideast بخبراتها في مجال كتابة مشاريع تهدف إلى تطوير مهارات الطلاب والخريجين.

حنين عصام الأستاذ  -طالبة هندسة الحاسوب في الجامعة الإسلامية- سنة ثالثة

حنين التي نقلتها الحرب من فتاة تعيش في عالم مليء بالأحلام إلى شخصية تتحدى الواقع الأليم

في قلب مدينة دير البلح التي تعرضت للقصف والدمار بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، تقول:

"اعتدنا الظروف الصعبة في غزة التي يحولها الاحتلال إلى سجن كبير، لكن كان لنا فيها حياة، حتى أظلمت الدنيا فجأة وتغيّر الحال تماما، لم يسلم هنا شيء وكل ناجٍ هو ميت على وجه الأرض، منذ السابع من أكتوبر حلّت الطامة على رؤوسنا وما زالت مستمرة للشهر التاسع نعيش مخاضًا قاسيًا مميتًا، لكن يبقى الأمل بالله موجودًا".

وحول الوضع الراهن تقول حنين: "لا ملامح حياة، لا أمن ولا أمان، ولا ماء ولا طعام، نعيش فيلم رعب حقيقي، ومشاهد تجعل الولدان شيبًا".

 أما الحياة الجامعية فذهبت مع الريح تقول: "مع اندلاع العدوان على غزة، لم يسلم أي مبنى، هدموا الأبراج والبيوت والجامعات وحتى المدارس وما تحول منها لمراكز إيواء".

انقطعت الاتصالات والكهرباء، وعاشت حنين في عزلة تامة عن محيطها، وتتحدث عن أقسى اللحظات التي عاشتها: "كأن القدر لم يكتفِ بهذا، فقد تعرض والدي رئيس قسم الاستقبال والطوارئ، لمحاولة اختطاف في مجزرة المعمداني، ونجا بأعجوبة. وسط هذه الأجواء المرعبة، تحطمت الكثير من الأحلام، لكنّني لم أستسلم".

وتكمل بحماسة: "ظهر بريق الأمل في مبادرة "يدًا بيد" التي قدمتها جامعة النجاح الوطنية والتي كانت كالماء للظمآن لكل الطلبة المتعطشين للعلم في غزة. كانت هذه المبادرة بمثابة طوق النجاة فسارعت للالتحاق بها لاستكمال تعليمي وتحقيق حلمي".

ومع ذلك، لم تكن الأمور سهلة. كانت حنين تقطع الكيلومترات بحثًا عن إنترنت بطيء يمكنه بالكاد تحميل رسائل الواتساب أو التليجرام. ومع تحسن خدمة الإنترنت قليلاً، إلا أن أزمة انقطاع الكهرباء كانت تحديًا مستمرًا، حيث كانت عملية شحن حاسوبها تستغرق وقتًا طويلاً ومبالغ كبيرة قد لا تتوفر دائمًا.

تقول حنين: "رغم كل المعوقات، رغم الجوع والدمار والحصار، ورائحة الدم التي تزكم الأنوف، والأشلاء، والعطش الذي يبّس حلوقنا..  أنا ملتزمة بمواصلة تعليمي. المبادرة أعادت لي الأمل والشغف، وأعلم أن الطريق صعب، لكنني مصممة على الوصول إلى حلمي".

هذه ليست قصصًا عادية بل محطات صمود سيبنى عليها مستقبل أمة عانت وتعاني الأمرين تذكرُنا بأن الأمل يمكن أن يزهر حتى في أصعب الظروف، وأن العزيمة يمكن أن تتغلب على كل التحديات.