نابلس - النجاح الإخباري - تستمر الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ أكثر من عام؛ في ظل ضرب الاحتلال الإسرائيلي بكل الدعوات بوقف هذه الابادة في عرض الحائط، وعدم توفر أي ضاغط حقيقي أو جهد دولي من أجل إنهاء المعاناة المستمرة، في ظل هذا كله باتت الأسئلة تتصاعد عن مآلات استمرار هذه الحرب، وفرص توسعها، خصوصا مع التغيرات الحاصلة في لبنان مع حزب الله، ناهيك عن عودة الإبادة والتطهير إلى شمال قطاع غزة، وما يضعه محللون بأن الاحتلال بدأ في تطبيق ما بات يعرف بخطة الجنرالات.
ويفسر المحلل السياسي طلال أبو ركبة ما يحصل في شمال قطاع غزة بأنه يقود إلى ما يمكن أن نسميه رؤية إسرائيل، أو محاولتها لفرض اليوم التالي بمنظورها؛ وندرك أن إسرائيل منذ اللحظات الأولى لقيامها بهذه الحرب، وهي تحاول أن تجيب على سؤال ما هو اليوم التالي لها، هي لا تريد أن يكون اليوم التالي فلسطينيًا بأي حال من الأحوال، لا باتجاه بقاء أي شكل من أشكال النظام أو الحكم الفلسطيني الخاص بقطاع غزة، ممثلاً في حكم فصيل حماس أو حكم حماس والمقاومة، أو في حكم أي فصيل فلسطيني. أيضًا، هي لا تعيد توحيد الأراضي الفلسطينية تحت لواء السلطة الوطنية الفلسطينية وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني.
ويقول أبو ركبة للنجاح إن الرهان الإسرائيلي، على إدخال قوات عربية أو دولية إلى قطاع غزة، أيضًا فشلت أمام إصرار الدول العربية على أن يكون دخولها إلى قطاع غزة جزءًا من الاتفاق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، وبما يمهد لإقامة حل الدولتين؛ وبذلك، فإن بنيامين نتنياهو يريد أن يبحث عن شيء جديد ربما يؤهل أن يكون قطاع غزة خارج السياق الوطني، ويعزز من خلاله الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية، ومن ناحية أخرى، لا يؤدي إلى ولادة كيانية فلسطينية بأي شكل من الأشكال.
ويضيف أبو ركبة أنه في هذا الإطار، ذهبت إسرائيل إلى العملية في شمال قطاع غزة على وجه التحديد، لخلق باكورة هذه الرؤية الإسرائيلية، المتمثلة في خلق معازل أو كنتونات أو أماكن مفصولة صغيرة جدًا، يتم من خلالها إعادة السكان ولو بشكل نسبي، والتحكم في حصولهم على الغذاء من خلال مجموعة من الشركات الأمنية الأمريكية أو الخاصة؛ والتي تذهب باتجاه أن تكون هي المسؤولة عن توزيع المساعدات وعن حكم المنطقة العازلة التي ستقام في شمال قطاع غزة، وبنجاح هذه التجربة في شمال قطاع غزة يمتد رويدًا رويدًا باتجاه مدينة غزة، حتى تشمل باقي أنحاء القطاع على مسافة زمنية متصلة.
ويضيف أبو ركبة أعتقد أن التوجه الدولي، خاصة ما بعد الانتخابات الأمريكية، وبعد نتائج الانتخابات الأمريكية في الخامس من نوفمبر القادم، هي التي ربما ستؤشر إلى الترتيب والرؤية الأمريكية لإعادة ترتيب ليس فقط قطاع غزة، وإنما ترتيب الإقليم، وربما شاهدنا قبل يومين، وعشية الضربات الإسرائيلية على إيران، أو الرد الإسرائيلي على إيران، يعني استمعنا جيدًا إلى تصريحات الرئيس الأمريكي بايدن عندما تحدث قائلًا إن رد إسرائيل على إيران لا يجب أن يقابل برد، ويجب أن تنتهي المعركة أو الصراع الإسرائيلي الإيراني عند هذا الحد، ويمكن الآن أن نتوجه إلى حلف لبنان، ويمكن أن نذهب لاحقًا إلى حلف قطاع غزة.
بمعنى أن الإدارة الأمريكية بقيادة بايدن، وإذا ما نجحت كملا هاريس، أي توجهات الحزب الديمقراطي الأمريكي القادمة، هي إعادة ترتيب الإقليم وفق المنظور الأمريكي، وليس وفق المنظور الإسرائيلي الكامل. وبالتأكيد ستكون هناك انحيازات للرؤية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالأمن وفيما يتعلق بالتطبيع، لكن لن تكون رؤية منحازة مئة بالمئة لصالح إسرائيل، لكن ستحافظ الولايات المتحدة على مصالحها من خلال خلق مساحات من التوازن بين إيران كدولة إقليمية مؤثرة ولها أذرع في الإقليم، وبين إسرائيل كدولة أيضًا لها أذرع ولها قدرات هائلة في الإقليم.
ويعلق أبو ركبة على المقترح المصري بوقف مؤقت لهذا العدوان، بقوله من الممكن أن تكون هذه المرة ما يؤشر إلى شيء مختلف. أولاً، أن يصرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بنفسه عن اتفاق تهدئة لمدة يومين يمتد بعد ذلك من أجل مباحثات شاملة حول وقف إطلاق النار، أعتقد أن خروج الرئيس المصري هذا يؤشر إلى شيء كبير جدًا لأنه من قبل، في جميع المباحثات الماضية، والتي كانت مصر طرفًا أساسيًا فيها، لم يصرح الرئيس المصري من قبل. هذا يؤشر إلى أنه ربما تكون هناك أمور قد نضجت فيما يتعلق بالشأن التهدئة المؤقتة المقترحة على الجانب الإسرائيلي، وعلى فصائل المقاومة في قطاع غزة.
وفيما يتعلق برؤية إسرائيل لحرب الاستنزاف يعتقد أبو ركبة أن الأمور قد تغيرت بشكل كبير جداً، فمنذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، اعتبرت إسرائيل أن هذه حرب وجودية تهدد وجودها وأمنها، وكانت تصريحات بنيامين نتنياهو تعكس ذلك، حيث اعتبرها حرب الاستقلال الثانية. ولم يعد يهمه الخسائر البشرية بقدر ما يهمه تحقيق انتصارات سياسية.
إسرائيل الآن ترى أنها تتحمل الضغوط من المقاومة، ولكنها تعتبر أن هذا الاستنزاف يجب أن ينتهي بانتصار سياسي كبير. في هذه الحرب، تأمل إسرائيل أن تحقق أهدافها السياسية، سواء في قطاع غزة أو في الساحة اللبنانية، لتفكيك البنية العسكرية للمقاومة.