منال الزعبي - النجاح الإخباري - تكشف حرب الإبادة المستمرة ضد قطاع غزة يومياً المزيد عن عقلية اليمين المتطرف في دولة الاحتلال، فلم تعد التصريحات الدموية الداعية إلى قتل الفلسطينيين منحصرة في أبواق "التعصب" فيما يسمى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش، بل تطال قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي، وهو ما بات يلمس بشكل كبير في وسائل الإعلام العبرية.

نعومي زيني، زوجة رئيس الشاباك المرتقب، باركت في كتابها الجديد  التدمير والقتل للفلسطينيين بوصفه "وصية إلهية"، بحسب ما ورد في صحيفة هآرتس العبرية.

وبينما تتغلغل هذه الرؤى في بنية المؤسسة الأمنية والدينية، يبدأ العالم – رغم تردّده – في التقاط إشارات الدم، فتتوالى الأصوات الدولية نحو الاعتراف بفلسطين، في لحظة فاصلة يتقاطع فيها التطرف الإسرائيلي مع صحوة العدالة المتأخرة.

وتثير تصريحات نعومي زيني، زوجة اللواء دافيد زيني، المرشّح لتولي رئاسة جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، جدلاً واسعًا بعد كشفها عن رؤيتها المتطرفة للحرب الدائرة في غزة، واعتبارها "فريضة دينية ومشيئة ربانية"، في كتابها الذي صدر مؤخرًا بعنوان "بنيان النهضة – أحاديث لامرأة الجيش في زمن الحرب".

في كتابها الذي وجّهته لزوجات الجنود الإسرائيليين المشاركين في الحرب، تكتب زيني أن "الجندي الذي يقاتل يجب أن ينوي أنه يطبق وصية الرب... تدمير البيوت في غزة هو وصية. تصفية المسلحين وصية. وعلينا أن نكمل الوصية عبر الإرث والتوطين".

ورغم غياب التصريحات العلنية للواء دافيد زيني، إلا أن كتاب زوجته يقدّم نافذة على البيئة الفكرية المحيطة به، خاصة في ظل اتهامات له بتبنّي نزعة "مهدوية" متطرفة، بحسب ما كشفته تقارير إسرائيلية سابقة، منها صحيفة هآرتس التي ذكرت أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عارض تعيينه سابقًا بسبب أفكاره المتشددة.

أفكار متطرفة وتوظيف ديني للحرب

الكتاب يعبّر عن رؤية لاهوتية متشددة للحرب، حيث تصف زيني المعركة في غزة بأنها "ولادة قومية جديدة"، وتشير إلى أن "كل حرب خاضها الإسرائيليون كانت مرحلة من مراحل الخلاص". وترى في القوة العسكرية الإسرائيلية أداة لتنفيذ خطة ربانية كبرى.

وتمدّ الكاتبة أفكارها الدينية لتصل إلى بنية المجتمع الإسرائيلي، حيث تنتقد ما تسميه "التصور التقدمي" في الجيش، وترى فيه خطرًا يهدد ما تعتبره "رسالة إلهية"، مستندة في ذلك إلى أفكار المدرسة الدينية المتطرفة "هار همور" وزوجة حاخامها المؤثر تسفي تاو، والتي تذكرها وتقتبس عنها مرارًا.

لا ذكر للأسرى... ولا للضحايا المدنيين

اللافت في محتوى الكتاب، كما تشير صحيفة "هآرتس" هو التجاهل التام للضحايا الفلسطينيين، أو حتى للأسرى الإسرائيليين، باستثناء نقدها لمن يطالبون بصفقة تبادل فورية، واعتبارها تلك الدعوات ضعفًا يهدد "العمود الفقري" للمجتمع.

وتحذّر زيني من أيّ لهجة تشكّك في شرعية الحرب أو تضعف عزيمة جنود الاحتلال، معتبرة أن "كل كلمة تقولها الزوجة قد تضعف معنويات الجندي"، وتطالب النساء بـ"تحمل المسؤولية المنزلية ودعم أزواجهن في المعركة"، في ظل تسلسل هرمي واضح بين الرجل والمرأة، تتبناه الكاتبة دون مواربة.

منظومة فكرية متطرفة 

المحتوى الذي تطرحه نعومي زيني لا ينفصل عن منظومة فكرية متطرفة تتغلغل في المستويات القيادية للمؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، مما يطرح علامات استفهام كبرى حول مستقبل الصراع، في حال تبوّأ شخص مثل دافيد زيني منصبًا حساسًا كرئاسة "الشاباك".

ويبرز ذلك التوجه أيضًا من خلال تصريحات سابقة نُسبت له، والتي هاجم فيها النظام القضائي الإسرائيلي واصفًا إياه بـ"الديكتاتورية"، مما يشير إلى خطر تزايد تغلغل الأيديولوجيا الدينية المتطرفة في مفاصل عميقة في حكومة الاحتلال الإسرائيل، في الوقت الذي يتعرض فيه الفلسطينيون لمجازر يومية تحت ذرائع "الوصايا الإلهية".

في الوقت الذي تُدمَّر فيه غزة فوق رؤوس أهلها، ويُمنع عنها الماء والغذاء والدواء، تتكشف في الإعلام العبري طبقات من الخطاب الإسرائيلي المزدوج؛ خطاب يُخاطب العالم بلغة "الدفاع عن النفس" و"الاعتدال السياسي"، وآخر داخلي يتغذى على العنصرية والتحريض وإنكار الوجود الفلسطيني.

إن كشف هذه الخطابات المتضاربة ليس ترفًا صحفيًا، بل ضرورة أخلاقية وإعلامية لفهم طبيعة المشروع الاحتلالي، وتفكيك سرديته أمام العالم. فما يُقال بالعبرية يجب ألّا يبقى خلف الجدران.