النجاح الإخباري - في أروقة السياسة وعبر أصوات الإنذار في غزة، لا تزال الهدنة تراوح مكانها، تتأرجح بين رجاء وألم، بين عجز القرار الإسرائيلي وصبر الفلسطينيين. إسرائيل أثناء محاولتها استخدام قضايا إنسانية (كالهدنة أو إدخال المساعدات) كوسيلة ضغط أو أدوات تفاوض، تجد نفسها مضطرة للاستجابة لتلك المطالب الإنسانية تحت ضغط دولي متزايد، مما يقيد خياراتها السياسية والعسكرية.

فما إن تُذكر "الهدنة الإنسانية المؤقتة" حتى تقفز إلى الواجهة مشاهد الخيام والدمار والصفقة الموعودة التي لم تبصر النور بعد.
لكن ما الذي يُعيق التفاهم؟ ولماذا تبدو إسرائيل كمن يدور في حلقة تفاوضية مفرغة؟ وهل بالفعل باتت صفقة الأسرى مع حركة حماس كابوسًا سياسيًا لحكومة نتنياهو؟
هذا ما نحاول تفكيكه في هذا التقرير، عبر قراءة دقيقة لما تكشفه الصحافة العبرية، واستقراء ما بين السطور من مواقف وسيناريوهات.

-لا اتفاق يلوح في الأفق-

صحيفة هآرتس كشفت في تقريرها أن "هناك تآكلًا في الثقة بين القيادة الإسرائيلية ووسطاء الهدنة، خصوصًا في ضوء تعقيدات الملف الأمني واشتراطات حماس التي تعتبرها إسرائيل مهينة وغير قابلة للتطبيق، وعلى رأسها الانسحاب الكامل من قطاع غزة قبل تنفيذ أي صفقة تبادل أسرى".

أما يديعوت أحرونوت، فنقلت عن مسؤولين أمنيين أن "الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية نفسها تُعرقل الحسم بشأن شروط الهدنة"، إذ يرفض وزراء مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش تقديم أي "تنازلات" تُقرأ كضعف سياسي.

ويُفيد المراسل العسكري ألون بن دافيد في القناة 13 بأن "الجيش يدرك استحالة استعادة جميع الرهائن بالقوة، وأن خيار التفاوض، رغم تعقيداته، يظل الأقل كلفة بشريًا، لكنه يصطدم برؤية القيادة السياسية التي تريد نصرًا وهميًا بأي ثمن".

-التفاوض في نفق مظلم-

بحسب تقرير معاريف بتاريخ 24 يوليو، فإن إسرائيل تواجه مأزقًا داخليًا متفاقمًا بسبب الضغط الشعبي لعائلات الأسرى الإسرائيليين، مقابل تصلّب حكومة نتنياهو ورفضها تنفيذ مطالب "حماس" التي تصرّ على الإفراج عن قادة بارزين مقابل الجنود والمدنيين.

وتنقل الصحيفة عن مصدر أمني إسرائيلي قوله:
"
أي خطوة تفاوضية تُفهَم داخليًا كاستسلام، خصوصًا في ظل الانقسامات السياسية العميقة التي تعصف بالحكومة."

في المقابل، ذكرت القناة 12 العبرية أن حماس أبلغت الوسطاء أنها "لن تُفرج عن أي أسير إسرائيلي قبل وقف دائم لإطلاق النار، وضمان انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة"، وهو ما تعتبره حكومة نتنياهو "خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه".

هذا المأزق يجعل من الصفقة مسارًا طويل الأمد، أشبه بمسلسل تفاوضي منهك لا أحد يستطيع التنبؤ بخاتمته.

-صراع بين الأمن والسياسة-

تكشف إسرائيل اليوم في تقرير تحليلي أن "الانقسام بين الجيش والمستوى السياسي بات أكثر وضوحًا، حيث ترى المؤسسة العسكرية أن تحقيق أهداف الحرب بات شبه مستحيل، بينما يصر السياسيون، وعلى رأسهم بن غفير وسموتريتش، على الاستمرار في المعركة تحت غطاء شعارات استئصال حماس".

ويذهب الصحفي والمحلل العسكري الإسرائيلي يوآف ليمور، في الصحيفة ذاتها، إلى أن "كل تأخير في الهدنة أو الصفقة سيُدخِل إسرائيل في مأزق إنساني وأخلاقي، خصوصًا بعد اتساع رقعة الانتقادات الدولية وفشل الحكومة في حماية الرهائن أو إعادتهم بالقوة".

-المجتمع الدولي يضغط-

تُجمع تقارير هآرتس ويديعوت أحرونوت" الإسرائيلية على أن "المواقف الدولية، وخصوصًا من واشنطن والدوحة والقاهرة، تمارس ضغوطًا هائلة على الطرفين للوصول إلى هدنة مؤقتة كتمهيد لصفقة تبادل، لكن عدم وجود آلية موثوقة للضمانات يجعل من أي اتفاق عرضة للانهيار".

وقد حذر أفي يسسخروف، المختص بالشؤون الفلسطينية في موقع واللا، من أن "إطالة أمد التفاوض دون نتائج سيُفقد الوسطاء ثقة الطرفين، ويُعزز خيارات التصعيد مجددًا".

-إسرائيل في زاوية ضيقة-

في ضوء هذه المعطيات، تبدو إسرائيل عالقة بين مطرقة المطالب الإنسانية الدولية وسندان أجندتها السياسية المتشددة.
الهدنة ليست مجرد وقف لإطلاق النار، بل اختبار حقيقي لمدى قدرة إسرائيل على اتخاذ قرارات شجاعة تُنقذ ما تبقّى من ماء الوجه أمام العالم، وتُخفّف المعاناة في غزة.

لكن، طالما استمرت رهانات الحكومة على الوقت والتصلب السياسي، فإن كل يوم يمضي بلا اتفاق، يزيد من خسائرها الأخلاقية والعسكرية والإنسانية... ويقربها أكثر من مواجهة الحقيقة: لا نصر بلا حل، ولا هدنة بلا تنازلات.