النجاح الإخباري - في زحمة التصريحات المتضاربة، وبين تلويحات نتنياهو بالحرب الطويلة وضغوط عائلات الأسرى في تل أبيب، تبدو صفقة تبادل الأسرى وكأنها حبيسة زنزانة التعنّت الإسرائيلي والانقسام السياسي الداخلي. بينما غزة الجريحة تئن تحت وابل القصف، وعائلات الأسرى الإسرائيليين تملأ الشوارع صراخًا واستجداءً لاستعادة أبهائهم، فيما تزداد الهوّة بين الأجنحة السياسية في دولة الاحتلال.
فهل باتت المفاوضات أمام طريق مسدود؟ أم أنّ الضغط الشعبي المتصاعد داخل إسرائيل سيجبر حكومة نتنياهو على القبول بشروط المقاومة؟
في قراءة معمقة لأبرز ما جاء في الصحف العبرية حول الموضوع نجد أن نتنياهو عالق في فخ بين فكي الانقسام السياسي والخلافات الداخلية من جهة و وتصاعد الاحتجاجات وتعنت حماس من جهة أخرى.
الانقسام يضعف القرار التفاوضي في إسرائيل
نقلت صحيفة "هآرتس" (27 تموز/يوليو 2025) أن جهاز "الموساد" يشعر بالإحباط الشديد من أداء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في ملف التفاوض، ويعتبر أنه يستخدمه ورقة سياسية داخلية للمناورة والمماطلة. مصادر داخلية في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نقلت "قلقًا حقيقيًا" من أن استمرار الرفض الرسمي لتقديم تنازلات يهدد "فرصة التوصل إلى اتفاق قد يكون الأخير".
أما صحيفة "يديعوت أحرونوت" فكتبت أن هناك "انقسامًا حادًا في المجلس الوزاري المصغّر"، حيث يدعم البعض، وعلى رأسهم غانتس (قبل استقالته من الحكومة)، الذهاب إلى اتفاق بأي ثمن، بينما يصرّ المتطرف إيتمار بن غفير وسموتريتش على استكمال الحرب حتى "سحق حماس كليًا".
تصاعد الاحتجاجات الداخلية ضد الحكومة
في تغطيتها المكثفة، نقلت قناة "كان 11" مشاهد من المظاهرات الأسبوعية أمام مقر إقامة نتنياهو، والتي وصلت ذروتها يوم السبت الماضي، حيث خرج آلاف الإسرائيليين مطالبين بإقالة الحكومة الحالية، ورفعوا لافتات كُتب عليها "أنقذوا من تبقى"، و"أوقفوا الحرب – أبرموا الصفقة الآن".
وصرّح والد أحد الجنود الأسرى: "أشعر أنني أعيش في كابوس... ليس لدي ثقة بهذه الحكومة، ابني سيموت هناك إن واصلوا هذا التعنّت".
المقاومة تصعّد شروطها
وفق ما نشرته صحيفة "معاريف"، فإن حركة حماس تطالب في الجولة الأخيرة بـ"وقف شامل لإطلاق النار وانسحاب كامل من غزة، قبل أي تبادل"، بالإضافة إلى الإفراج عن قيادات ثقيلة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات ونساء وأطفال.
وترى الصحيفة أن هذه الشروط تُعتبر "غير قابلة للتنفيذ حاليًا من وجهة نظر المؤسسة الأمنية"، لكنها تؤكد في الوقت ذاته أن "الضغط الشعبي قد يجبر الحكومة على التراجع خطوة إلى الخلف".
خلافات عميقة
بحسب القناة 12 العبرية، فإن "الشاباك" و"أمان" قدما تقدير موقف لرئيس الحكومة في الأسبوع الأخير مفاده أن "الوقت ليس في صالح إسرائيل"، وأن استمرار الحرب دون أفق للتسوية قد يؤدي إلى عمليات أسر جديدة أو تعاظم شعبية حماس في الضفة، وهو ما يشكّل خطرًا بعيد المدى على استقرار إسرائيل.
إلا أن مصادر داخل مكتب نتنياهو، وفقًا للصحيفة نفسها، تحدثت عن "نية واضحة بالمماطلة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية"، على أمل أن تأتي إدارة جديدة أقل ضغطًا تجاه وقف الحرب.
بين التصدعات الداخلية والانقسامات السياسية وتنامي صوت العائلات المكلومة في شوارع تل أبيب، تقف صفقة التبادل في لحظة مفصلية. الاحتلال الإسرائيلي يبدو عاجزًا عن اتخاذ قرار موحّد، والمقاومة ماضية في رفع سقف مطالبها بعد شهور من الصمود والمعاناة في غزة.
في نهاية المطاف، إن لم تخرج الصفقة من رحم هذا الصخب، فستعود دائرة الدم لتتسع أكثر، وسيدفع الأبرياء في غزة ثمن حسابات سياسية باردة بفاتورة أكبر، لا تأبه لحياة الأسير ولا لألم طفل ينام على رماد بيته.