منال الزعبي - النجاح الإخباري - في غزة، لا تأتي الكوارث فرادى، فبينما يُحتجز أكثر من مليون طفل في عتمة الحصار والنار، يُسجَّل فجأة ارتفاعٌ مقلق في حالات مرضٍ نادر وخطير يُدعى الشلل الرخو الحاد (AFP)، يتسلل بصمت إلى أجساد الصغار، يشل أطرافهم، وربما يتسلل إلى قلوبهم الضعيفة ليخطفهم دون إنذار.

صُهيب... استيقظ مشلولًا

صهيب، طفل غزّي، لم يعد قادرًا على الحركة بشكل طبيعي.
في ظرف 24 ساعة فقط، بدأ بعدم القدرة على المشي، ثم تدهورت حالته سريعًا ليعجز عن تحريك ذراعيه.
تم نقله إلى العناية المركزة، ومكث هناك شهرًا كاملًا، لكن حالته لم تتحسن كثيرًا.
الاشتباه الطبي الأولي رجّح إصابته بـمتلازمة غيلان باريه (GBS)، وهي حالة نادرة ناتجة عن استجابة مناعية خاطئة تهاجم الأعصاب الطرفية وتسبب ضعفًا عضليًا مفاجئًا.
لكن هذا التشخيص لا يمكن تأكيده في غزة… فالفحوصات الضرورية غير متوفرة، والعلاج غير متاح.

صهيب اليوم يتلقى العلاج الطبيعي في عيادة تتبع منظمة INARAorg، وقد تحسّن قليلًا. لكن وضعه ما يزال هشًا، ويتطلب إخلاءً طبيًا عاجلًا.
وقد أُدرج اسمه على قائمة الانتظار... تلك القائمة التي تضم أكثر من 10,000 مريض، من بينهم آلاف الأطفال، ينتظرون الخروج من بوابة الألم نحو فرصة للحياة.

إحصاءات مرعبة

صهيب ليس وحده. ففي أسبوع واحد فقط، سجّل مستشفى الرنتيسي التخصصي للأطفال في غزة ثلاث حالات جديدة من الشلل الرخو الحاد بين الأطفال، وفق إفادة الدكتور محمد حجو، رئيس وحدة العناية المركزة.
أحد هؤلاء كانت طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات، أصيبت بفشل تنفسي حاد، واضطرت إلى إجراء شقّ حنجري للبقاء على قيد الحياة.

في الأحوال العادية، تصيب هذه المتلازمة طفلًا إلى طفلين فقط من بين كل 100,000 سنويًا.
لكن في غزة المحاصرة، لا شيء طبيعي.
كل المعادلات تنكسر وكل الأرقام تتضاعف.

بيئة قاتلة... ومجاعة صامتة

انهيار البنية الصحية، تلوّث المياه، تكدّس النفايات، تفشي الأمراض المعدية، وسوء التغذية… كلها عوامل اجتمعت لتشكّل تربة خصبة لانتشار هذا المرض الخبيث.
الأطفال في غزة اليوم لا يعانون فقط من الشلل… بل من حرمان التشخيص، وغياب العلاج، وانعدام أفق النجاة.

وفي الخلفية، تستعر المجاعة.
101 شخصًا لقوا حتفهم جوعًا حتى الآن، بينهم 15 في يومٍ واحد فقط (الثلاثاء الماضي).

قصف عشوائي .. الملاجئ الإنسانية لم تنجُ

قبل أيام، تعرّض بيت الضيافة التابع لمنظمة الصحة العالمية في غزة للقصف، ثم اقتحمه جيش الاحتلال.
كان مقرًا يُفترض أنه “منزوع النزاع” (deconflicted)، وكانت عائلات موظفي المنظمة تحتمي فيه.
تم إخراج النساء والأطفال تحت تهديد السلاح، واعتُقل ثلاثة رجال، أُفرج عن اثنين، بينما لا يزال أحدهم قيد الاحتجاز.
 

 صرخة إنسانية

صحفيون نقلوا الحدث ووثقت عدسات كاميراتهم الكارثة الحقيقية وأطباء يلمسون المأساة بأيديهم يطلقون صرخة عاجلة لإنقاذ أطفال غزة وحمايتهم.

ويؤكدون على أن ما يحتاجه الطفل صهيب وأطفال غزة لا يختصره تصريح ولا يفيه بيان. ما تحتاجه غزة ليس كلمات غاضبة من الزعماء، بل قرارات حاسمة وأفعال فورية، باستقبال حالات الإخلاء الطبي، والضغط على إسرائيل لفتح ممرات آمنة وخروج عاجل للمرضى،  وتوفير أدوات التشخيص والعلاج، لأن المرض لا ينتظر، والأطفال لا يحتملون التأجيل، غزة.المصلوبة منذ شهور،  تحتاج  إلى من يمد يده، قبل أن يتحول الوجع إلى مقبرة جماعية للبراءة.

المصادر:

  • @INARAorg – Instagram page

  • منظمة الصحة العالمية – تقارير ميدانية من غزة

  • د. محمد حجو – وحدة العناية المركزة، مستشفى الرنتيسي

  • وكالة الأناضول، وبيانات وزارة الصحة في غزة

  • تقارير إنسانية حديثة على مواقع: OCHA، UNICEF، Doctors Without Borders