منال الزعبي - النجاح الإخباري - في غرفة الأطفال بمستشفى ناصر في خان يونس، ترقد الطفلة الفلسطينية سيلا بربخ، ذات الأحد عشر شهرًا، بجسد نحيل يكشف أثر المجاعة التي تنهش أطفال قطاع غزة بصمت قاتل.

والدتها، نجاح بربخ، تحاول تثبيت رأس طفلتها بين يديها، بعدما عجز جسدها الهزيل عن حمله. سيلا، التي كان ينبغي أن تزن نحو 9 كيلوغرامات في هذا العمر، لا يتجاوز وزنها 4 كيلوغرامات، بحسب الأطباء.

تقول نجاح:

"مكثت في العناية المكثفة 4 أيام. نخرج يومًا ونعود عشرة. لا يوجد طعام. ابنتي بحاجة إلى بروتين، إلى لحم، إلى ما يمنح جسدها طاقة لتعيش. فقدنا كثيرًا من الأطفال في الغرفة بسبب نقص الطعام والحليب".

وتضيف الأم التي تحاول إخفاء الألم في صوتها:

"منذ أن أنجبتها وهي صغيرة لا تنمو. حالتها تزداد سوءًا في كل مرة نعود فيها إلى البيت. أعصابها ضعيفة، لا تستطيع الجلوس. الأطفال في عمرها يجب أن يجلسوا ويلعبوا، لكن سيلا لا تفعل شيئًا سوى الاستلقاء على ظهرها. يجب أن يكون وزنها 10 أو 11 كيلوغرامًا، لكنها لا تكاد تتحرك".

وتتابع بحرقة:

"إغلاق المعابر دمّر حياتنا. لا سفر، لا علاج، لا غذاء. كل ما أطلبه طعام لأطعمها، فقط لتعيش مثل باقي أطفال غزة... أطفال غزة يموتون من الجوع. لقد انتهى الطعام، والأطفال يموتون".

الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال والولادة في مستشفى ناصر، أوضح أن حالة سيلا مثال شديد لسوء التغذية الحاد. وقال:

"سيلا كانت طفلة سليمة، لا تعاني من مشاكل في القلب أو الرئة أو أمراض وراثية. مشكلتها بدأت حينما لم تستطع أمها إرضاعها بسبب الجوع الشديد الذي تعاني منه هي الأخرى. لم تجد أي حليب صناعي أو غذاء بديل... جسد سيلا الآن خالٍ من الدهون والعضلات. فقط جلد فوق العظام، وبطن منتفخ، وأعراض نقص حاد في الفيتامينات، خاصة فيتامين د، إلى جانب فقر دم شديد بسبب نقص الحديد".

وأشار الفرا إلى تزايد ملحوظ في حالات سوء التغذية في الأسابيع الأخيرة:

"كثير من الحالات تصلنا بعد فوات الأوان. منذ شهرين ونحن نطلق تحذيرات. الوضع حرج للغاية في غزة".

وفي مشاهد أخرى من مدينة غزة أشد ألما، يصطف عشرات الفلسطينيين أمام مطبخ خيري للحصول على وجبة طعام. يحملون أوعية بلاستيكية ويتزاحمون مرغمين بالجوع.

 

تصرخ إلهام أبو العطا (50 عامًا)، وهي نازحة:

"انظروا إلينا برحمة... فقط طعام. نريد أن نأكل أي شيء. افتحوا المعابر. أوجدوا لنا حلاً. كفى جوعًا. كفى".

وتقول أم سمير، بحرقة وهي أم فلسطينية أخرى:

"لا نملك ثمن الطحين. لا طعام ولا شراب لأولادنا. نعيش على عدس نحصل عليه من مطبخ الخير، وإن لم نجد شيئًا لا نأكل".

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، توفي حتى الآن 21 طفلًا دون سن الخامسة بسبب الجوع خلال عام 2025. فيما أعلنت وزارة الصحة في غزة عن وفاة 111 شخصًا بسبب المجاعة، معظمهم خلال الأسابيع الأخيرة مع تصاعد حدة الجوع في القطاع.

وجاء في بيان مشترك لـ111 منظمة دولية – من بينها "ميرسي كور"، و"المجلس النرويجي للاجئين"، و"ريفيوجيز إنترناشونال" – أن المجاعة تتسع رقعتها، في وقت تُمنع فيه آلاف الأطنان من الغذاء والمياه والمساعدات الطبية من الوصول إلى سكان غزة، رغم وجودها على مقربة من القطاع.

حكومة الاحتلال الإسرائيلي تقول إنها ملتزمة بالسماح بدخول المساعدات، لكنها تؤكد ضرورة السيطرة عليها لمنع استخدامها من قبل حماس. وقد اتهمت الأمم المتحدة بالتقصير، مدعية أن 700 شاحنة مساعدات تقف داخل غزة دون توزيع.

في المقابل، تؤكد الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة أن إسرائيل تتحكم بالكامل بما يدخل ويخرج من القطاع، وتعرقل بشدة عمليات الإغاثة، مشيرة إلى أن جنود الاحتلال أطلقوا النار على مئات الفلسطينيين قرب نقاط توزيع المساعدات منذ شهر أيار/مايو.

ووفق إحصاءاتنشرها جيش الاحتلال الإسرائيلي، فإن معدل دخول المساعدات لم يتجاوز 146 شاحنة يوميًا، بينما تقول الولايات المتحدة إن قطاع غزة يحتاج ما لا يقل عن 600 شاحنة يوميًا لتغطية احتياجاته الغذائية.

ويبقى حليب الأطفال من أكثر المواد ندرة وخطورة، وسط تحذيرات من موجة مجاعة تهدد جيلاً كاملًا من الأطفال في غزة.