النجاح الإخباري - بكل حزنٍ وثقلٍ في القلب، لم تخطر في بال مرفت النجار أن طفلها يحيى، الذي أنجبته وهو يحمل بين يديه أمل الحياة، سيغادرها بعد ثلاثة أشهر فقط، ضحية جوع لا يرحم.
في غزة، حيث الحصار يلتهم أرزاق الناس ويقضي على أبسط مقومات الحياة، يُهدد الجوع حياة الرضع بأجسادهم الغضة، التي لا تقوى على مقاومة وحشية الواقع.
على سرير آخر أم لتوأمين وُلدوا في الشهر الثامن من الحمل، فقدت أحدهما بعد عشرة أيام فقط من الولادة، بينما قضى الآخر 35 يوماً في مستشفى الرنتيسي، مصارعاً قسوة سوء التغذية التي تجتاح القطاع.
خرجت الأم المكلومة من المستشفى حاملة ابنها الناجي، لكنها سرعان ما أعادته إلى أحضان المستشفى مجدداً، بعدما ساءت حالته بسبب نقص الغذاء، حيث لم تجد له حليبًا صناعيًا، ولا حتى طبيعيًّا، فحتى الأمهات جائعات لا يجدن ما يطعمن به أطفالهن.
أحد الأطباء في مستشفى الرنتيسي وسط غزة يقول: "يوميًّا، تنقل عشرات الحالات من الأطفال الرضع إلى المستشفى ، حيث يتلقى هؤلاء الصغار محاولات يائسة للبقاء على قيد الحياة، عبر المحاليل الوريدية التي لا تغني عن حليب الأم أو الحليب الصناعي، وهو نقص حاد يعاني منه القطاع منذ فترة طويلة بسبب الحصار المستمر والتقليل من واردات الغذاء والأدوية".
ويقول الأطباء في مستشفى الرنتيسي إن نقص الحليب الخاص بالأطفال، إضافة إلى سوء التغذية المزمن والإسهال الذي يرافقه، يفاقم أزمة الصحة العامة للأطفال في غزة، ما يجعلهم أكثر عرضة للمضاعفات الخطيرة، وقد ينتهي بهم الأمر إلى الموت في صمت.
ووسط هذا الواقع المأساوي، تتواصل معاناة العائلات التي تحاول بكل قوة توفير أبسط متطلبات الحياة لأطفالها، في ظل ظروف قاسية يفرضها الحصار الإسرائيلي، وتداعيات الحرب التي تزيد من وطأة الجوع والفقر على أوسع نطاق.
وتشير الإحصاءات والتقارير أنه من بداية الحرب حتى اليوم أنه تم تسجيل أكثر من 28,000 حالة سوء تغذية حاد لدى الأطفال دون سن الخامسة.
وأن نحو 9 من كل 10 أطفال في غزة يعانون من فقر غذائي حاد وفقًا لليونيسف.
بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي الشديد الذي طال نحو 95% من سكان القطاع.
كما أن المستشفيات مثل الرنتيسي تستقبل يوميًا عشرات الرضع بحالات حرجة ناتجة عن الجوع.
هكذا إذًا… لا يموت الأطفال في غزة بفعل القصف فقط، بل على أسرّةٍ باردة، تحت أجهزة التنفس، وهم يتضورون جوعًا، وتحتضنهم أمهاتهم بصدورٍ خاوية إلا من الحزن.