النجاح الإخباري - كشفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أن مجموعة بوسطن للاستشارات (Boston Consulting Group - BCG)، وهي من أكبر شركات الاستشارات الإدارية الأميركية، تواجه أزمة متصاعدة في سمعتها بعد انكشاف تفاصيل صلتها بمشاريع مثيرة للجدل في قطاع غزة، بعضها يتضمن تصورات لتهجير واسع النطاق لسكان القطاع تحت غطاء المساعدات الإنسانية.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته الخميس، إن اثنين من كبار شركاء الشركة تنحّيا عن مناصب قيادية رفيعة، بعد الكشف عن دورهما في مشروع وصف بـ"غير الربحي" للمساعدات، لكنه تضمّن جوانب تخطيطية ومالية لإعادة توطين الفلسطينيين خارج القطاع.
وذكرت الصحيفة أن "بي سي جي" تلقت أكثر من مليون دولار مقابل عملها لصالح شركة أميركية خاصة تسعى لإدخال مساعدات غذائية إلى غزة عبر البحر، بالتوازي مع شراكة أخرى مع مؤسسة تُعرف باسم "غزة الإنسانية" (GHF). وقد أعدّت الشركة نموذجًا ماليًا لإعادة إعمار غزة بعد الحرب، شمل تقديرات لتكلفة ترحيل مئات آلاف الفلسطينيين، بقيمة تصل إلى 9 آلاف دولار للفرد، أي ما مجموعه 5 مليارات دولار.
كما تضمن النموذج سيناريوهات لـ"إعادة توطين طوعي"، يشمل دعمًا ماليًا بقيمة 5 آلاف دولار لكل شخص، مع بدل إيجار لأربع سنوات ومساعدات غذائية لعام واحد، بناءً على فرضية مغادرة 25% من سكان غزة، وعدم عودة 75% منهم.
ووفقًا لتسعة مصادر مطلعة تحدثت للصحيفة، تورّطت الشركة في المشروع بدرجة أعمق من المخطط، رغم الإعلان الأولي بأنه مبادرة إنسانية. وفي وقت لاحق، أقرّت الشركة بأن بعض أنشطتها نُفذت دون تفويض رسمي، واعتبرت ذلك "سوء تقدير" من الشريكين البارزين في وحدة الدفاع التابعة لها في واشنطن.
كما تعاون فريق من "بي سي جي" مع منظمة "فوجبو" (Fogbow) التي يقودها قدامى محاربين أميركيين، في مشروع مدعوم من قطر لتوصيل مساعدات بحرًا من قبرص إلى غزة. وأشارت الصحيفة إلى أن المشروع تطلب تعاونًا مع كيانات خاصة، بعيدًا عن النظام الأممي التقليدي، ما أثار تحذيرات من منظمات إنسانية اعتبرت المسار تهديدًا للمبادئ الإنسانية، وذريعة لتدخلات سياسية وتجارية في ملف الإغاثة.
بدأ المشروع كمبادرة تطوعية، لكن لاحقًا قدمت الشركة فاتورة لمؤسسة "المساعدات الإنسانية البحرية" (MHAF) ومقرها جنيف، بقيمة تفوق المليون دولار، مقابل خدماتها الممتدة من مارس 2024 حتى فبراير 2025، حسب التقرير.
وفي السياق نفسه، أوضحت الصحيفة أن مشروع "GHF" قاده شركاء من فرع الدفاع الأميركي، بينما أدارت شركة "بي سي جي" بالتوازي مشروع "فوجبو" عبر شركاء من فروع أوروبية.
وقد ساعدت "بي سي جي" في تأسيس الكيان القانوني لمؤسسة MHAF، كما زوّدتها بدعم إداري واستراتيجي وقدمت تقارير شهرية لحكومة قطر. وقالت الشركة إن المشروع خضع لرقابة داخلية، شملت لجان مراجعة ومساءلة.
لكن الأزمة الكبرى التي تواجه "بي سي جي" نشأت بعد الكشف عن مشاركتها في تصميم نماذج التشغيل لما بعد الحرب في غزة، التي تضمنت تصورات لإعادة توطين مئات الآلاف خارج القطاع. وقد أدى هذا الانكشاف إلى فصل شريكين أميركيين تجاهلا تعليمات الإدارة، وتعليق مهام اثنين من كبار المديرين، أحدهم كبير مسؤولي المخاطر، بانتظار نتائج تحقيق داخلي في التجاوزات الإدارية.
وأفادت الصحيفة بأن مشروع "فوجبو" نشأ كرد على القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول المساعدات من المعابر البرية، حيث سعى القائمون عليه إلى إنشاء ممر بحري عبر قبرص. غير أن المشروع توقف بعدما أعلنت إدارة بايدن بناء رصيف عائم، بدأ تشغيله في مايو 2024 قبل أن يُغلق لاحقًا بفعل الأضرار.
وساهم المشروع في إيصال نحو 200 طن من المساعدات عبر الرصيف الأميركي، و900 طن أخرى عبر ميناء أسدود الإسرائيلي، وهو ما يُناقض هدفه المعلن بتجاوز المعابر البرية الإسرائيلية.
ونقلت الصحيفة عن كاميرون هيوم، المدير التنفيذي لمؤسسة MHAF، والسفير الأميركي السابق، قوله: "لقد أطعمنا الناس، ولا نزال نحاول إطعامهم... بالشراكة مع منظمات إنسانية موثوقة وخبراء لوجستيين".
وذكرت فاينانشال تايمز أن موظفي "بي سي جي" شاركوا أيضًا في ورش عمل توسّعية شملت تقييمات الشركاء، وتعيين موظفين جدد، وتقديم المشورة المؤسسية لمؤسسة GHF.
وقد نفت "بي سي جي" وجود نية مسبقة للمساهمة في عمليات تهجير أو استخدام مقاولين عسكريين، لكن الانتقادات المتصاعدة من جهات دولية وحقوقية قوّضت محاولات الشركة للدفاع عن مشروعها، خصوصًا بعد تقارير اتهمت مؤسسة GHF بأنها واجهة لتمرير أهداف إسرائيلية في غزة، بحسب تقارير أممية.
تحذيرات فلسطينية من "هندسة التهجير"
وفي ظل هذه المعطيات، حذرت جهات فلسطينية من أن بعض المشاريع المعلنة تحت غطاء "العمل الإنساني" قد تخفي أجندات خطيرة لتكريس التهجير الجماعي أو تفريغ القطاع من سكانه، محملة المجتمع الدولي مسؤولية التصدي لمحاولات تمرير حلول "ما بعد الحرب" على حساب الحق الفلسطيني في الأرض والعودة والسيادة.