خاص - النجاح الإخباري - في ظل مأساة غزة المتواصلة، وبين أروقة البيت الأبيض بعيدًا عن عدسات الكاميرات، عقد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لقاءه الرابع خلال نصف عام مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، محوره الوحيد تقريبًا: غزة. اللقاء الذي وصف بأنه حاسم لم يُختتم بأي بيان مشترك، لكن خلف الصمت الرسمي تدور مفاوضات مضنية وضغوط سياسية ثقيلة قد تعيد رسم ملامح المرحلة القادمة في القطاع المحاصر.
لقاء رابع في ظل الحريق
وصل نتنياهو إلى المكتب البيضاوي في زيارة غير موثقة إعلاميًا، ما بين مساء الثلاثاء وصباح الأربعاء، ليجتمع مع ترامب مجددًا بعد أقل من 24 ساعة على لقائهما السابق.
وصرّح ترامب بوضوح: "سنتحدث تقريبًا فقط عن غزة. علينا حل هذه المأساة".
لقاء دام نحو ساعة ونصف دون بيان مشترك، بمشاركة نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس. مصادر كشفت عن وصول وفد قطري بالتوازي إلى واشنطن لعقد اجتماعات مكوكية مع الإدارة الأمريكية، بينما كانت الفرق التفاوضية من حماس وإسرائيل تواصل حواراتها في الدوحة.
"فيلادلفي 2": عقدة الصفقة ومفتاح الجمود
فيما تتقدم المباحثات بشأن هدنة محتملة تشمل وقفًا لإطلاق النار لـ60 يومًا، وإطلاق سراح مختطفين وأسرى، تكمن نقطة الخلاف الأبرز في إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بمحور "موراج" جنوب رفح، والذي أطلق عليه نتنياهو اسم "فيلادلفيا 2".
المنطقة، بحسب المخطط الإسرائيلي، ستكون جزءًا من "مدينة إنسانية" تُقام على أنقاض رفح لفصل المدنيين عن حركة حماس.
لكن هذا الإصرار، حسب تقارير، يهدد بتعطيل الصفقة، ويقوّض عمل الصناديق الإغاثية الأمريكية في غزة، وسط تقديرات بأن المنظمات الدولية الأخرى ستملأ الفراغ.
ضغوط أمريكية ثقيلة: ترامب يحاول فرض نهاية للحرب
ونقلت شبكة "سكاي نيوز" البريطانية أن الرئيس ترامب بدأ بالفعل في ممارسة ضغط غير مسبوق على نتنياهو لدفعه نحو إنهاء الحرب.
رسالة مباشرة وصلت من ترامب إلى حركة حماس عبر الوسيط الأمريكي-الفلسطيني بشارة بحبح، تؤكد أن إسرائيل لن تستأنف القتال بعد انتهاء الهدنة.
في الوقت ذاته، قال مبعوث ترامب للمفاوضات، ستيف ويتكوف، إن القضايا الخلافية انخفضت من أربع إلى واحدة فقط، معربًا عن أمله بالتوصل لاتفاق بنهاية الأسبوع، رغم "حساسية المحادثات".
العائلات تناشد ترامب: "اصنع التاريخ.. أعد أبناءنا"
بينما تدار الحوارات في الغرف المغلقة، سافر وفد من عائلات الأسرى الإسرائيليين إلى واشنطن، مطالبين عبر منصة "تروث سوشيال" بأن "يصنع الرئيس ترامب التاريخ".
التقوا بمبعوثي الإدارة الأمريكية، ونقلوا تفاؤلهم بجدية ترامب، بعكس ما لمسوه من الجانب الإسرائيلي.
قال روتِم كوبر، نجل أحد المختطفين: "نحن مشجعون من التزام ترامب وفريقه... نأمل أن نصل إلى اتفاق خلال الأسبوع المقبل".
في الخلفية: "الاختيار الحر" أم التهجير المقنّع؟
خلال مأدبة عشاء جمعت الطرفين، عاد ترامب ونتنياهو لمناقشة فكرة "الاختيار الحر" لسكان غزة، وهي صيغة مطورة لما سبق أن وُصف بمخطط الترحيل الطوعي.
قال نتنياهو: "إذا أراد الناس المغادرة، يجب السماح لهم بذلك. لا يجب أن تكون غزة سجنًا".
هذا الطرح، وإن كان يحمل مسحة إنسانية في ظاهره، يثير تساؤلات عميقة حول النوايا السياسية الحقيقية، والنتائج الديموغرافية على الأرض.
خاتمة: هدنة مُعقدة في ميزان السياسة والدم
رغم اللقاءات المتكررة والضغوط الأمريكية الصريحة، ما زال مستقبل غزة غارقًا في الضباب.
بين مخططات "المدن الإنسانية" و"فيلادلفيا 2"، تقف أرواح المواطنين الفلسطينيين من أهل القطاع في انتظار انفراجة قد تُكتب – أو تُلغى – على طاولة مفاوضات لا تزال حبلى بالتوتر والمراوغات.
في هذا المشهد المتشابك، يبرز سؤال مركزي:
هل يستطيع الضغط السياسي الأمريكي أن يُنهي جرحًا مفتوحًا منذ قرابة عامين، أم أن حسابات الأرض والميدان ستبقى أقوى من أي تعهّدات معلنة؟