نابلس - هيا قيسية - النجاح الإخباري - حين تسقط الصواريخ على المدن، لا تسأل عن هوية الجدران ولا ديانة ساكنيها، إنها تدكّ البيوت والأحلام، وتترك خلفها رائحة الحريق وصدمة البقاء.
بالأمس، كانت غزة وحدها تحت النار، يُقصف فيها الحجر والبشر، تُستهدف فيها المستشفيات كما تُستهدف أحضان الأمهات. واليوم، يسمع الإسرائيليون صوت الانفجارات يقترب من نوافذهم، فيرون في الدمار جزءًا مما كانت غزة تذوقه يوميًا… لكن الفارق أن الغزيين اعتادوا الصمت، فيما خرجت أصوات إسرائيلية تستنكر قصف المستشفيات، وكأنهم لم يكونوا شهودًا – بل فاعلين – في قصف مستشفيات غزة.
إنها لحظة تُرينا مرآة مزدوجة: وجه لمدينة تهتزّ تحت وقع الردّ، ووجه آخر لمدينة اعتادت أن تكون مسرحًا للقصف بلا حساب. وبين هذا وذاك، تخرج تساؤلات حقيقية: هل يحق لمن دمّر أن يبكي على دمار وصل إليه؟ وهل يُسمع صدى الإنسانية متأخرًا فقط عندما تمسّنا النيران التي أشعلناها من قبل؟
المباني التي انهارت لم تكن كثيرة، لكنها كانت كافية لزرع الذعر في الشوارع، ولجعل مشهد الدخان مألوفًا في بلدٍ طالما اعتاد أن يشاهد النيران من خلف شاشاته، وهي تلتهم غزة. سقطت نوافذ الأبراج الزجاجية في رمات غان، وتشققت الجدران في أسدود، وتعطلت أجهزة في مستشفى سوروكا بعد أن اهتزّ محيطه بانفجار قريب.
فيما كان الهدف الإيراني من القصف قرب مستشفى سوروكا هي منشآت عسكرية،
حيث نشرت وكالة تسنيم الإيرانية صورة خريطة توضح الهدف الدقيق للصواريخ الإيرانية التي ضربت مقر الاتصالات والتحكم والاستخبارات التابع للجيش الإسرائيلي في مجمع "غاف يام" التكنولوجي المجاور لمستشفى سوروكا العسكري بمدينة بئر السبع.
أما على وسائل التواصل، ارتفعت أصوات الإسرائيليين بالشكوى والصدمة. بعضهم كتب: "ضُرب مستشفى! أليست هذه جريمة حرب؟"، بينما ردّ آخرون من داخل إسرائيل أنفسهم بمرارة: "وهل كنتم نائمين حين قُصفت مستشفيات غزة؟".
وجاء في تغريدة احد الناشطين الإسرائيليين:
"الناس هنا لم يتوقفوا عن تبرير قصف مستشفيات في غزة، لكن في اللحظة التي يُطلق فيها النار على مستشفى عندنا، فجأة الجميع ينهض ضد انتهاك قوانين الحرب، نحن مثل اللاعب الذي لا يتوقف عن اللعب بشكل غير نزيه، ولكن في اللحظة التي يلمسه فيها أحد، يرمي نفسه على الأرض ويصرخ “خطأ!"
فيما نشر ناشط آخر فيديو صورة يدعي فيها المنشأة العسكرية تحت مستشفى سوروكا
🚨🇮🇷🇮🇱 The underground military base at Soroka Hospital pic.twitter.com/WCC3nVjv8e
— The Saviour (@stairwayto3dom) June 19, 2025
" لايحق لهم الشكوى" :
هذا وقد غرد ناشط ينتقد ماقام به الاحتلال من قصف لمستشفيات غزة البالغ عددها 36 مستشفى وأنه لا يحق لهم البكاء او الشكوى الآن ، وجاء في تغريدته:
" عندما قصفت إسرائيل أول مستشفى في غزة، لم يُصدّق العالم ذلك، وألقت إسرائيل باللوم على صاروخٍ أُطلِق بالخطأ من حماس.
دمّرت إسرائيل الآن جميع مستشفيات غزة، البالغ عددها 36 مستشفى، بما في ذلك أكبرها، مستشفى الشفاء.
لا يحق لهم الشكوى" .
وأرفقها بفيديو لمسشفيات غزة المدمرة:
When lsraeI bombed the first hospital in Gaza, the world wouldn’t believe it and Israel blamed a misfired rocket from Hamas.
— ADAM (@AdameMedia) June 19, 2025
lsraeI has now destroyed all 36 hospitals in Gaza including its largest, the al-Shifa Hospital.
They have no right to complain.
pic.twitter.com/JZHhDeaPCk
فيما قال الصحفي والمؤرخ كريك موراي: "فجاة اصبحت اسراييل ضد استهداف المستشفيات "
الواقع الجديد أربك الجميع. فالحصانة التي ظنّها الإسرائيليون درعًا دائمًا بدأت تتشقق. والصوت الذي طالما أنكره إعلامهم – صوت الضحايا من الجانب الآخر – عاد يرتدّ في مسامعهم من خلف صفارات الإنذار.
إنها لحظة مواجهة مع الذات، حتى وإن كانت قصيرة، لحظة يتساءل فيها البعض: هل نشعر بالألم لأننا تعرضنا له، أم لأنه عارٍ لا يمكن تجاهله بعد اليوم؟
لم يقتصر الأمر هنا بل يخرج وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس ليصرح " بأن استهداف المستشفيات والمباني السكنية جرائم حرب" في تناقض واضح مع سياسة جيش الاحتلال الحالية في غزة والتي واجهت إدانات دولية واسعة النطاق..
وأكد كاتس في تصريحات له: "وجهتُ بالتعاون مع رئيس الوزراء الجيش لتوسيع نطاق الهجمات على أهداف استراتيجية للسلطة في إيران، في إطار جهودنا لإزالة التهديدات المباشرة على إسرائيل، وزعزعة النظام الإيراني".
ووصف كاتس المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بأنه "سيتحمل المسؤولية" عمّا وصفه بـ"الجرائم"، مؤكداً أن "استهداف المستشفيات والمباني السكنية يُعدّ جرائم حرب بموجب القانون الدولي، وسنردّ عليها بما يتناسب مع حجم التهديد".
في النهاية، لا تتساوى الجراح، لكنها تروي الحقيقة. فحين يشعر الإسرائيليون اليوم بطعم الخوف، ويتهشم زجاج نوافذهم، ويُغلق مستشفى خشية الصواريخ، ربما تلامس أرواحهم – ولو للحظة – شيئًا مما عاشه الغزيون لأشهر طويلة تحت السماء المفتوحة.
لكن الفارق أن الحرب حين زارت تل أبيب، أيقظت الرأي العام وأجبرت الساسة على الاعتراف بالوجع، بينما في غزة، كان الصوت الوحيد الذي يسمعه العالم هو صوت الركام.