النجاح الإخباري - في غزة .. لم تترك إسرائيل جريمة حرب إلا واقترفتها في حربٍ وقودها الصغار قبل الكبار، من مدنيين لا أمان لهم، ولو احتموا ببروجٍ مشيّدة.
تلا ميط، الطفلة ذات الأعوام التسعة، لم تنجُ من القتل، بل قُتلت مرتين: مرة حين ارتقى شقيقها الصغير بين يديها، ومرة حين شُلّ جسدها النحيل بعد قصفٍ استهدف خيام النازحين في مدرسة أبو هميسة بمخيم البريج وسط القطاع.
لم تكن تطلب الكثير؛ زاوية آمنة، ظلًا من الحرب، جرعة ماء، وربما ضحكة صغيرة تخفف وجع الخوف.
لكنها وجدت الموت حيث قيل لها: "هنا الأمان".
في لحظةٍ خاطفة، وبينما كانت تضمّ شقيقها الصغير في حضنها المرتجف، باغتتهما القذيفة، فارتقى هو، وبردت أطرافها إلى الأبد...
شللٌ رباعيٌّ جعلها سجينة الجسد، لا تقوى حتى على النزوح من جديد.
ما حدث لتلا لا يُروى في الأساطير ولا يُقرأ في كتب التاريخ القديمة، بل هو من فصول الواقع اليومي في غزة، زمنٍ يُفترض أنه يزهو بالتحضّر والعدالة وحقوق الإنسان.
لم تعد تلا قادرة على الحركة، ولم تسعفها يداها الصغيرتان لمسح دمعة أخيها الأخيرة...
تجلس اليوم على كرسيٍّ بلا حياة، ونظراتها تحمل وجعًا لا يُترجم بالكلمات.
نظرةُ عتبٍ على العالم أجمع، وسؤالٌ يتردّد في أعماق الإنسانية:
بأي ذنب شُلَّت؟
وتأتي الإجابة بصمتٍ موجِع:
لأن خيمةً احتمت بها، كانت مرسومة على خارطة النار التي يرسمها الاحتلال كما يشاء.
أي إنسانية هذه التي تذبح الأطفال ثم يُقال عن قاتليهم إنهم "يدافعون عن أنفسهم"؟
وأي عار سيبقى على جبين الصامتين وهم يشاهدون جسد "تلا" هشًّا، غافيًا على كرسيٍّ لا يشبه الطفولة في شيء؟
ستبقى تلا جملةً ناقصة في حكاية بلد منكوب، تنتظر أن تكتمل حين تُطفئ الحريةُ نارَ المحتل.