منال الزعبي - النجاح الإخباري - استشهاد الأسير مصعب عديلي (20 عامًا) من بلدة حوارة جنوب نابلس، داخل سجون الاحتلال، خبر صادم استيقظ عليه الفلسطينيون تزامنًا مع إحياء يوم الأسير الفلسطيني في السابع عشر من نيسان/أبريل.
حدث حوّل هذا اليوم الذي يُفترض أن يكون صرخة حرية إلى مشهد جديد من مشاهد الألم الفلسطيني، مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية داخل السجون، وازدياد أعداد الشهداء من الحركة الأسيرة، وسط تفاقم سياسات القمع والإهمال الطبي، والإعدام البطيء خلف القضبان.
"النجاح" واكبت هذه الذكرى من قلب الواقع، عبر سلسلة من اللقاءات الحصرية التي سلّطت الضوء على الأبعاد الإنسانية والانتهاكات القانونية المتواصلة بحق الأسرى والأسيرات، وناقشت سُبل رفع الصوت الفلسطيني محليًا ودوليًا نصرةً لهم، في وجه صمت دولي بات شريكًا في الجريمة.
الكرامة هي العنوان الأصعب
قال مدير هيئة شؤون الأسرى والمحررين في نابلس، خالد أبو عمار، في حديثه لـ"النجاح"، إن واقع الأسرى أصبح أكثر قتامة منذ السابع من أكتوبر. ففي يوم الأسير الفلسطيني، يأتي استشهاد مصعب عديلي ليُضيف جريمة جديدة إلى سلسلة الانتهاكات التي لا تنتهي.، ويرفع عدد الشهداء إلى 63 أسيرًا في سجون الاحتلال، في ظل سياسة ممنهجة من القتل البطيء والإهمال الطبي.
وروى أبو عمار تفاصيل "الخبر الصادم" الذي تلقته الهيئة، حيث كانت عائلة الأسير الشاب مصعب عديلي تستعد لاستقباله خلال 72 ساعة فقط، قبل أن يُبلغوا باستشهاده، وهو ما وصفه بأنه "غصة أصابت القلوب والحلوق".
وأوضح أن الهيئة تواجه صعوبات في متابعة الأوضاع الصحية والنفسية للأسرى، مشيرًا إلى أن الاحتلال يعطّل زيارات المحامين، ويتذرع بعدم وجود وكالة، أو بسرية الملف الطبي؛ لعرقلة إدخال الأدوية أو متابعة الحالات الصحية.
وأكد أنه "حتى الأسرى من أصحاب المؤبدات لم يعودوا يتلقون ورقة الإفراج الرسمية التي كان يتم الاستناد عليها من قبل الصليب الأحمر لإصدار شهادة الأسير كوثيقة رسمية تشمل تواريخ الاعتقال والإفراج وما يبنى عليها من تعويض، في خطوة تهدف لنزع حقوقهم والتنغيص عليهم حتى لحظة تحررهم".
وأشار إلى أن الاحتلال لا يفرّق بين طفل أو مسنّ، مستدلًا بحالة المسنّة نادية أبو حمادة (73 عامًا) من مخيم بلاطة في نابلس، والتي تم أسرها وتوجيه تهمة حيازة سلاح بحقها، رغم أنها ترعى أبناءها من ذوي الاحتياجات الخاصة. كما تحدّث عن الطفل زيد فطاير من المساكن الشعبية في نابلس، الذي اعتُقل أثناء عودته من المدرسة، بتهمة "إخفاء موس في السكوتر".
ودعا أبو عمار إلى تسليط الضوء على الجانب الإنساني في رواية الأسرى للعالم، قائلًا: "لا يفهم الغرب مصطلحات مثل 'الأسير البطل'، بل يفهم معاناة الإنسان. يجب أن نُظهر وجبة الطعام التي تُقدَّم للأسير لإبقائه حيًا فقط، وصور التعذيب التي لا تميز بين رجل وامرأة".
وأضاف: "الاحتلال يُمعن اليوم في إذلال الأسرى، عبر إبقائهم مقيدي الأيدي، مطأطئي الرؤوس لأيام، وحرمانهم من أدنى مقومات الكرامة"، داعيًا إلى تصعيد النشاطات والفعاليات الميدانية "بما يليق بهذا السِفر النضالي الذي ضحّى بحياته وسنوات عمره من أجل الحرية".
صمت دولي يوازي الجريمة
وتواصل المؤسسات الدولية التغاضي عن انتهاكات الاحتلال بحق الأسرى. ويرى حقوقيون أن عدم فتح تحقيقات جدية في ظروف استشهاد الأسرى، وغياب المحاسبة، يُعطي الاحتلال الضوء الأخضر لمواصلة جرائمه داخل السجون.
وفي السياق قال مدير العلاقات الدولية في نادي الأسير الفلسطيني، رائد عامر، لـ"النجاح"، إن تلقي خبر استشهاد الأسير مصعب عديلي شكّل صدمة كبيرة، خصوصًا مع غياب الإفصاح عن ظروف استشهاده، مؤكدًا أن ما يحدث داخل السجون "جرائم ممنهجة من قتل وتنكيل وإهمال متعمد".
وأضاف أن عدد الشهداء من الأسرى ارتفع إلى أكثر من 63 منذ السابع من أكتوبر، بينهم 40 من قطاع غزة و23 من الضفة الغربية، ما يُشير إلى تصاعد خطير في وتيرة الإجرام الإسرائيلي داخل المعتقلات.
وسرد عامر شهادة أحد الأسرى الذين تم الإفراج عنهم بعد قضاء محكوميته، مشيرًا إلى أنه "تعرض للتعذيب والإهمال الطبي لسنة ونصف حتى كاد يفقد إحدى ساقيه حيث قرر الأطباء بترها لكنه رفض التوقيع على قرار الأطباء الإسرائيليين. وبعد ثلاثة أشهر من العلاج خارج السجن، تحسنت حالته".
وأكد أن الاحتلال يسعى لإرسال رسائل دموية، حتى في يوم الأسير الفلسطيني، بارتكاب جريمة جديدة بحق الأسير العديلي.
ودعا إلى تحرّك أوسع من قبل أهالي الأسرى والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية كافة، قائلاً: "الضحية القادمة قد تكون نتيجة لصمتنا".
وشدد ناشطون ومؤسسات حقوقية على أهمية تحويل هذا اليوم إلى منصة نضال سياسي وإعلامي، لكسر الصمت الدولي حول معاناة آلاف الأسرى، خاصة في ظل الحرب المتواصلة على غزة والضفة الغربية.
سجون لا تفرق بين رجل وامرأة
وقالت رائدة صوالحة، الناشطة النسوية وعضو اللجنة الوطنية للأسرى إن الأسيرات الفلسطينيات يعانين من انتهاكات قاسية، ليس فقط في ظروف الاعتقال بل في الأثر النفسي الذي يصيبهن بعد التحرر، حيث يؤدي التعذيب والتخويف إلى مشكلات نفسية عميقة.
و أوضحت صوالحة، لـ"النجاح"، أن الأسيرات الفلسطينيات يعانين من انتهاكات جسيمة تشمل منع الاستحمام، ونزع الحجاب، والعزل الانفرادي، والتفتيش العاري، والتجويع، والحرمان من الزيارة، ضمن سياسة عقاب جماعي تمارسها إدارة السجون الإسرائيلية.
وقالت صوالحة إن عدد الأسيرات في سجون الاحتلال يبلغ 80 أسيرة، تتراوح أعمارهن بين 30 و73 عامًا، مشيرة إلى أن الاحتلال "لا يفرّق بين رجل وامرأة، ويعامل النساء الفلسطينيات بقسوة لا تقل عن قسوة تعاملهم مع الرجال".
وأكدت أن الفعاليات التي نُظّمت بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني شملت مناقشات حول كيفية دعم صمود الأسرى، وزيارة مرتقبة للجنة الوطنية لمقر الصليب الأحمر لوضعه أمام مسؤولياته.
وتطرقت صوالحة إلى الأثر النفسي الذي تعاني منه الأسيرات، خصوصًا القاصرات بعد تحررهن، قائلة: "الترويع والتخويف والتفتيش العاري والتعذيب ترك أثرًا نفسيًا عميقًا، يدفع بعض الأهالي لمنع بناتهم من الخروج من البيت"، مطالبة بتقديم جلسات دعم نفسي فردية وجماعية للأسيرات وذويهن.
يأتي يوم الأسير الفلسطيني هذا العام في ظل تصاعد خطير في الانتهاكات داخل السجون الإسرائيلية، وارتفاع في معدلات الاعتقال، وتردي الأوضاع الصحية والنفسية والمعيشية للأسرى. وتشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من 9 آلاف أسير في سجون الاحتلال، بينهم 200 طفل و80 أسيرة، يعيشون في ظروف تصفها المنظمات الحقوقية بـ"غير الإنسانية"
بين شهادات الأسرى والشهداء، وبين قصص القهر والتجويع، تتضح صورة قاتمة لما يجري خلف الأسوار.