منال الزعبي - النجاح الإخباري - في ظل التصعيد الإسرائيلي الأخير في الضفة واستهداف مخيمات جنين وطولكرم بشكل عنيف أسفر عن 17 شهيدًا وعشرات الإصابات خلال يومين وتدميرًا هائلا للبنية التحتية خلال الاقتحامات والاعتقالات التي جاءت بعد التهديد الإسرائيلي بنقل العدوان من غزة إلى الضفة، ما يثير المخاوف والتساؤلات حول دوافع إسرائيل ونيتها من التصعيد.

ويرى المحللون السياسيون أن المنطقة باتت على صفيح ساخن، ما يثير المخاوف من احتمالية اندلاع انتفاضة ثالثة، في ظل تحذير المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، "تور وينسلاند"، من أن الوضع قد يتحول إلى "برميل بارود" يمكن أن يؤدي إلى عنف مميت ويؤجج التوترات في المنطقة.

خطط التهجير

أكد المحلل السياسي فراس ياغي لـ"النجاح" أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة تأتي ضمن تحديثات للمفهوم الأمني الإسرائيلي بعد أحداث السابع من أكتوبر، بقوله: "بات الوجود الفلسطيني يشكل تهديدًا كبيرًا لأمن إسرائيل".

وأوضح ياغي أن ما يجري في غزة من إبادة وتطهير عرقي، وما يحدث في الضفة من تدمير ممنهج للبنية التحتية في المخيمات، يُعد جزءًا من خطة إسرائيلية تستهدف تهجير الفلسطينيين وتقليص وجودهم الديموغرافي والجغرافي بقوله: "إسرائيل تسعى لتدمير المخيمات الفلسطينية كجزء من خطة تهجير واسعة"

وأضاف ياغي: "أن التصريحات المتطرفة للمسؤولين الإسرائيليين تهدف إلى كسب شعبية في الداخل الإسرائيلي"، موضحًا  أن الانزياح نحو اليمين والتطرف يزداد.

وأكد أن الفلسطينيين لن يغادروا أرضهم مهما كانت الضغوط، مشيرًا إلى أن إسرائيل تسعى لفرض سيطرتها الكاملة على غزة والضفة الغربية، وتدمير المخيمات كبداية لتهجير الفلسطينيين.

وعن مفاوضات وقف إطلاق النار، قال ياغي: "المفاوضات هدفها خدمة المصالح الأمريكية الداخلية، وليس وقف الحرب"  مؤكدًا على أن التحركات الأمريكية في هذا السياق تخدم مصالح داخلية أمريكية، وأن إسرائيل تسعى لاستمرار الحرب لتحقيق انتصار مطلق على المقاومة الفلسطينية. واعتبر أن استمرار القتال يخدم مصلحة نتنياهو الذي يواجه خطر إسقاط حكومته في حال توقفت الحرب.

و قال: " إن استمرار القتال يخدم مصلحة نتنياهو الذي لا يريد وقف الحرب"

و شدد ياغي على أن المجتمع الإسرائيلي في معظمه يؤيد تدمير البنية التحتية الفلسطينية، رغم تحذيرات بعض الجنرالات من أن إسرائيل قد لا تستطيع تحمل حرب استنزاف طويلة الأمد.

تغيير جغرافيا فلسطين

بدوره أشار المحلل السياسي أيمن يوسف إلى أن "إسرائيل تسعى لتطبيق نفس الاستراتيجيات التي استخدمتها في غزة على الضفة الغربية"، باستخدامها آليات الإبادة والتفجير والنزوح لدفع الفلسطينيين لمغادرة منازلهم.

وأوضح يوسف في حديثه لـ"النجاح" أن إسرائيل تهدف من خلال هذه العمليات إلى "السيطرة المباشرة على المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية"، محذرًا من أن ما يحدث في غزة قد يتم تكراره في الضفة، لكن بوتيرة أقل وعمق أقل.

 وأضاف أن إسرائيل تحاول حسم المعركة في الضفة الغربية من خلال "مزيد من استراتيجيات التهجير والنزوح وتغيير معالم الجغرافيا الفلسطينية".

وعن العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة في مناطق مثل نابلس وجنين وطولكرم، أشار يوسف إلى أن "هذا التضخيم العسكري له أبعاد في الصورة الذهنية والنمطية"، حيث تحاول إسرائيل إظهار أنها تحقق انتصارًا كبيرًا من خلال الوصول إلى ما تسميهم بالإرهابيين. وبيّن أن هذه العمليات "تشكل تمرينًا عسكريًا مباشرًا على أرض الواقع"، مع وجود تنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

وفيما يتعلق بإمكانية تنفيذ سيناريو التهجير القسري، أضاف يوسف: "التهجير ليس بالضرورة قسريًا، بل يتجلى من خلال حشر الفلسطينيين في مساحات ضيقة واستمرار الاستيطان الذي يمتد على أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية". وأشار إلى أن هناك محاولات واضحة للتخلص من المخيمات الفلسطينية واستهدافها بشكل مباشر، مستندًا إلى الدعايات الإسرائيلية التي تدعي وجود مخازن ومختبرات لتصنيع الأسلحة داخل هذه المخيمات.

وحذر يوسف من أن "إسرائيل تستغل الوضع الإنساني الصعب في غزة"، مشيرًا إلى أنه في ظل عدم وجود ضغوط دولية فعالة ووحدة داخلية فلسطينية قوية، قد تستمر إسرائيل في تنفيذ مخططاتها دون رادع، ما يهدد بتغيير معالم المشروع الوطني الفلسطيني وسلب الفلسطينيين من أرضهم.

قلق أردني

وحول تصريحات الأردن وقلقه حول ما يجري في الضفة أعرب المحلل السياسي فراس ياغي عن القلق العميق إزاء الوضع المتصاعد في الضفة الغربية، محذرًا من التداعيات المحتملة على الأردن. وقال ياغي: "الأردن في حالة قلق كامن ومتصاعد بسبب ما يحدث في الضفة الغربية، وهذا يدفعنا إلى التوتر والقلق وعدم الاستقرار".

 وأوضح أن الأردن يخشى من انتقال ما حدث في قطاع غزة إلى الضفة الغربية، مؤكدًا أن الحكومة الأردنية تتخذ "إجراءات احترازية مسبقة لمنع تنفيذ سيناريوهات مشابهة لما حدث في غزة".

وأضاف ياغي أن الفريق الحاكم في إسرائيل يتمسك بفكرتين رئيسيتين، هما "أن القدس الموحدة عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية" و"أن الضفة الغربية ليست فلسطينية أو عربية، بل هي يهودية وسامرية". وأشار إلى أن الضفة والقدس كانتا جزءًا من المملكة الأردنية الهاشمية قبل احتلالهما، وأن الأردن "تخلى عن دوره السياسي لصالح شعبها وقيادتها منظمة التحرير الفلسطينية وليس لصالح بقاء واستقرار الاحتلال".

وأكد ياغي أن الأردن يشعر بالقلق على "أمنه الوطني"، خاصة بعد ما حدث في غزة، حيث "رحلت إسرائيل الفلسطينيين من شمال ووسط قطاع غزة إلى الجنوب". وأضاف: "كان هناك سيناريو لاجتياح الحدود الفلسطينية المصرية لدفع الفلسطينيين إلى سيناء، ولكن هذا السيناريو فشل". وحذر من أن نجاح هذا السيناريو في غزة قد يؤدي إلى تنفيذه في الضفة الغربية، مما قد يتسبب في تدفق الفلسطينيين نحو الأردن، وهذا "يمس بأمننا الوطني".

وفيما يتعلق بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، خصوصًا المسجد الأقصى، شدد ياغي على أن "الأردن يعتبرها جزءًا من سياسته الوطنية"، مؤكدًا أن الأردن يتخذ "كل الإجراءات اللازمة لحماية الحدود ومنع نقل وطرد وتشريد الشعب الفلسطيني".

وأكّد على أن "الأردن يسعى لدعم صمود الشعب الفلسطيني في أرضه"، مضيفًا أن الهدف الرئيسي هو "إبقاء القضية الفلسطينية على أرض فلسطين وعدم ترحيلها كما حدث في عام 1948". وأوضح أن الحكومة الإسرائيلية الائتلافية الحالية تتبنى سياسة متطرفة، مما يتطلب من الأردن "اتخاذ الإجراءات اللازمة لإحباط هذا المشروع" ودعم نضال الشعب الفلسطيني ضد "العمل الفاشي" الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية الحالية.

تبقى الضفة الغربية في حالة توتر شديد مع تصاعد التصعيد الإسرائيلي، وتزايد التهديدات المحتملةن ويبقى السؤال المطروح هل تسعى إسرائيل لخلق واقع جديد في الضفة؟