النجاح الإخباري - في ظل الحرب الإسرائيلية الشرسة الدائرة في غزة والتي حصدت حتى اليوم ما يزيد عن 38 ألف شهيد وإصابة 89459 آخرين، يسعى الفلسطينيون لتحقيق حلمهم بقيام دولتهم بكل ما أوتوا من قوة سواء عبر المقاومة أو الدوبلوماسية ضد إسرائيل على الساحة الدولية، وهم يدركون أنه لن يكون نزالا سهلا ،وأن الدولة المرتقبة لن تتجسد في القريب العاجل.
فالجانب الإسرائيلي، بيمينه ويساره، يكاد يُجمع على رفض فكرة قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة ولا يعبأ بما يصدر في هذا الصدد من قرارات دولية سواء من مؤسسات أممية أو محاكم تابعة لها.
ومنذ أيام أصدر البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) قرارًا، وبأغلبية ساحقة، برفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية واعتبار ذلك "خطرًا وجوديًا على إسرائيل"، في خطوة أثار إدانات عربية وأوروبية رأت في القرار "إمعانا في تحدي المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية".
وأمس الجمعة، ثارت ثورة إسرائيل بعدما أصدرت محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًّا بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، قالت فيه: إنَّ استمرار الوجود الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية "غير قانوني"، وإن إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها في تلك الأراضي بأسرع ما يمكن.
وقالت المحكمة التي تتخذ من لاهاي في هولندا مقرًا لها: "جميع الدول ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناشئ عن الوجود غير القانوني لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة، وعدم تقديم مساعدات للحفاظ على الوضع الناشئ عن الوجود المستمر لدولة إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة".
وبينما لقي الرأي الصادر عن المحكمة ترحيبًا فلسطينيًّا، قوبل برفض تام وتنديد شديد من الجانب الإسرائيلي. فقد وصفته وزارة الخارجية الإسرائيلية بأنّه: "خاطئ تمامًا ويخلط بين السياسة والقانون"، وحذرت من أنه "يشكل خطرًا على المستقبل، إذ يبعد الأطراف عن الحل الوحيد الممكن وهو المفاوضات المباشرة".
بل إنَّ وزير المالية اليميني المتطرف "بتسلئيل سموتريتش" طالب بفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على كل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ردًا على المحكمة.
أما وزير الأمن القومي "إيتمار بن غفير" فقد اتهم محكمة العدل الدولية بأنَّها "معادية للسامية ومنحازة سياسيًّا بوضوح"، مضيفُا "لن نقبل منهم وعظا أخلاقيًّا، لقد حان وقت السيادة على كل الأراضي".
"محاصرة دولية"
لم يقتصر الاستنكار والتنديد الإسرائيلي على اليمين المتطرف، بل شمل كل الأطراف تقريبا.
فقد سارع زعيم المعارضة اليساري يائير لابيد بإصدار بيان ينتقد رأي المحكمة التي وصفها هو أيضا بأنها معادية للسامية. وقال فيه: "رأي محكمة العدل الدولية منفصل عن الواقع وأحادي الجانب ومشوب بمعاداة السامية وعدم فهم الواقع على الأرض".
أما رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو فقال: "الشعب اليهودي ليس غزاة في أرضه، ولا في عاصمتنا الأبدية القدس، ولا في أرض أجدادنا في الضفة الغربية". وأضاف: "لن يشوه أي قرار كاذب في لاهاي هذه الحقيقة التاريخية، وكذلك لا يمكن الجدال في شرعية الاستيطان الإسرائيلي في كافة أراضي وطننا".
لكن الفلسطينيين يعتقدون أن ما تحقق في محكمة العدل الدولية يمكن البناء عليه في خطوات قادمة.
وقال محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إنَّ الرأي الاستشاري الذي قدمته محكمة العدل الدولية هو خطوة في سلسلة مساعٍ دبلوماسية تقوم بها القيادة الفلسطينية لمحاصرة إسرائيل دوليًّا.
وأضاف في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP)، أنَّ رأي المحكمة يؤكّد أنَّ المعركة الدبلوماسية تسير في الاتجاه الصحيح، وأشار إلى أنَّ الفلسطينيين يعرفون أن هذه "خطوة في معركة طويلة في طريق إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية".
وقال: "بجميع الأحوال ما يجري يؤكّد أنَّ الدبلوماسية تحقق إنجازات، وهي إنجازات بمراكمتها تؤكّد أننا نسير في الاتجاه الصحيح نحو الهدف الأبعد وهو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة".
وتابع قائلا: "قرار محكمة العدل يمثل انتصارا للقضية وهزيمة لرواية الاحتلال الكاذبة"، وأضاف "العالم بات على قناعة بكذب الرواية الإسرائيلية ومخالفتها للقوانين الدولية، وهذا من شأنه أن يشكّل دعمًا إضافيًّا للفلسطينيين في نضالهم نحو تحقيق حلمهم بإقامة دولتهم".
ونوَّه إلى أنَّ الجمعية العامة للأمم المتحدة هي من طلبت الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية، ومن ثم فإنه مطلوب الآن من الجمعية العامة أن تسير نحو خطوات أخرى في طريق إنهاء الاحتلال.
الضغوط واختلاف الموازين
ويرى الكاتب والمحلل السياسي خلف خلف أنَّ هناك تغييرًا ملموسًا في الموازين الدولية تجاه القضية الفلسطينية.
وقال لوكالة أنباء العالم العربي: "التراكمات المتتالية في المعارك الدبلوماسية، مثل قرارات المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، وموقف الجمعيَّة العام للأمم المتحدة بالنهاية، كلّها عوامل يمكن أن تشكل ضغطًا إضافيًّا على إسرائيل".
وأضاف: "إسرائيل لا يمكن أن ترحّب بأي حال بموقف صادر ضدها، وبالتالي رد فعلها كان متوقعا. وفي النهاية فإنها حتى لو أعلنت أنها لن تتعامل مع رأي المحكمة، فإنها ستعمل بكل الطرق من أجل التخفيف من تبعاته".
ونوّه إلى أنَّ عدداً من الدول التي تعترف بالمحكمة وقراراتها ربما يعيد حساباته مع إسرائيل تجنبًا لأي ضغوط داخلية.
وقال: "إسرائيل ستحاول أن تثبت للدول التي تربطها بها مصالح مشتركة، خاصة دول الاتحاد الأوروبي، بأنها لا ترفض السلام حتى لا تخسر علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع هذه الدول".
واستنكر الاتحاد الأوروبي أمس الجمعة قرار الكنيست رفض إقامة دولة فلسطينية، مشيرًا إلى أنَّ هناك إجماعًا دوليًّا على أنَّ الحل المستدام الوحيد الذي سيحقق السلام والأمن في الشرق الأوسط هو حل الدولتين. وأكَّد أنه سيواصل العمل حثيثا مع الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل إحياء العملية السياسية لتحقيق هذه الغاية".
وتقول بانينا شارفيت باروخ، الباحثة القانونية في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إنَّ الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي قد يُستخدم أداة في الحملة ضد إسرائيل على الساحة الدولية، وسيقوّي المطالبين بمقاطعة إسرائيل وعزلها.
وأكدت في تحليل نشرته هيئة البث الإسرائيلية أن الطريقة التي تتصرف بها إسرائيل هي التي ستحدد مدى تأثير الرأي الاستشاري وما إذا كان "سيؤدي إلى اتخاذ تدابير تلحق ضررا ملموسا بإسرائيل، أو سيبقى مجرد وثيقة سلبية لا ضرر فعلي لها".
وأضافت "ما سيؤثر على العالم بالأساس هو ما إذا كان سيتم تصوير إسرائيل على أنها دولة تروج للحرب وتتجاهل قواعد اللعبة علنا، أو أنها ستنجح في تغيير هذه الصورة من خلال تقديم مبادرات سياسية من شأنها أن تحرف مسار السياسة العامة، ولو طفيفا".