نابلس - النجاح الإخباري -  (وكالة أنباء العالم العربي) – بينما يرى الفلسطينيون أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قدّمت كل دعم ممكن لإسرائيل في حرب غزّة، فإن لديهم قناعة بأنّ وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد سيجعل الإدارة الأميركية تفعل المستحيل للاستجابة للمطالب الإسرائيلية.

وإذا كانت الإدارة الأميركية الحالية قد ظهرت أحيانا بمظهر الضابط للعمليّات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، خاصة في الآونة الأخيرة، فإن الاعتقاد على الجانب الفلسطيني يبدو لا يشير إلى أنّ إدارة جديدة بقيادة ترامب يُمكن أن تواصل لعب هذا الدور، حيث أعلن ترامب في أكثر من مناسبة أنه يجب ترك الحرية لإسرائيل للعمل في القطاع.

وقال الرئيس الأميركي السابق، الساعي للعودة إلى المكتب البيضاوي، الشهر الماضي خلال مناظرة مع بايدن إنه ما كان لحركة حماس أن تشنّ هجمات السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي لو كان هو رئيسا للولايات المتحدة، بحسب وصفه، وإن "إسرائيل تريد مواصلة الحرب ويجب أن يُفسح لها المجال لإكمال مهمّتها".

وعلى الرغم من تصريحات ترامب المؤيّدة لاستمرار الحرب في قطاع غزّة، فإنّ مرشّحه لمنصب نائب الرئيس جيمس ديفيد فانس حثّ إسرائيل على إنهاء تلك الحرب بأسرع ما يمكن، وقال إنّ العالم في عهد بايدن أصبح أكثر خطورة مما كان عليه في عهد الرئيس السابق.

وتشير حالة عدم التناغم هذه في التصريحات بين فانس وترامب إلى أنّ الحزب الجمهوري لم يبلور بعد موقفا موحّدا تجاه حرب غزة، وهو ما يزيد الضبابية بشأن اليوم التالي لتلك الحرب في قطاع غزة حال فوز ترامب بولاية رئاسيّة جديدة.

في الوقت ذاته، تواجه إدارة بايدن تحديّا معقّدا بشأن اليوم التالي للحرب في ضوء التنافس السياسيّ الداخليّ واحتمال خسارته الانتخابات لصالح ترامب. وقد تتنوّع السيناريوهات بناء على التغيّرات المحتملة في السياسة الأميركيّة؛ وهناك ثلاثة سيناريوهات رئيسة.

* بايدن رئيسا

إذا فاز بايدن بولاية ثانية، فمن المتوقع أن تستمرّ إدارته في السعي نحو تحقيق حلّ دبلوماسيّ للأزمة في قطاع غزة؛ وقد يتضمّن هذا السيناريو خطوات من بينها تقديم مساعدات إنسانيّة ودفع عمليّة إعادة إعمار القطاع بالتعاون مع الأمم المتحدة ودول أوروبية وعربية.

وقد تعمل إدارة بايدن على إعادة تفعيل المفاوضات السياسيّة بين الإسرائيليّين والفلسطينيين، مع التركيز على حلّ الدولتين؛ وفي هذه الحالة، ستكون هناك جهود لتعزيز السلطة الفلسطينيّة كممثّل شرعيّ للفلسطينيين.

أيضا، قد تُمارس الإدارة الأميركيّة برئاسة بايدن ضغوطا دبلوماسيّة على دولة الاحتلال لتخفيف الحصار المفروض على القطاع وتحسين الأوضاع الإنسانية فيه، إلى جانب جهود لكسب تأييد المجتمع الدولي لدعم هذا المسار.

وتتمسك إدارة بايدن حاليا بضرورة أن تكون السلطة الفلسطينيّة طرفا في مسألة اليوم التالي للحرب في قطاع غزة، رغم تحفظ الاحتلال وإعلان نتنياهو أكثر من مرّة رفضه فكرة وجود السلطة الفلسطينية في القطاع وكرر عبارته المعهودة "لا حماستان ولا فتحستان".

ومن غير المرجح أن تنجح الإدارة الحالية في ترتيب كلّ الملفات المتعلّقة بمسألة اليوم التالي للحرب على غزة إذا نجحت صفقة المفاوضات المتعلّقة بتبادل الأسرى، خاصة أنّ لهيب الانتخابات أصبح أكثر حرارة بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها المرشح الجمهوري ترامب.

كما أنّ إدارة بايدن لا يُتوقّع منها أن تتفرغ لمسألة الحرب على غزة وتترك ملف الانتخابات الرئاسية التي باتت على المحكّ في ظل الكثير من المشاكل الداخلية التي يواجهها الرئيس الأميركي ومنها دعوته لعدم الترشّح بسبب كبر سنّه.

على مستوى السلطة الفلسطينية، اعتبر مسؤول كبير تحدث لوكالة أنباء العالم العربي، أن العلاقات مع الولايات المتّحدة باتت في أدنى مستوياتها وأن "بايدن لا يختلف عن ترامب".

وقال "جاءنا الديمقراطيّون بعد فوز ترامب وأثنوا على مواقفنا بقطع العلاقات مع إدارة ترامب في حينه ووعدوا أن يعيدوا فتح القنصلية الأميركية في القدس التي أغلقها ترامب فور عودتهم للرئاسة، وبعد أن عادوا تبخّرت الوعود".

* ترامب رئيسا

في ولايته السابقة، حقق ترامب لإسرائيل ما لم يُحقّقه أيّ رئيس أميركي آخر؛ فهو الوحيد الذي وقّع قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس واعترف بالمدينة عاصمة لإسرائيل.

كما أنّ العلاقة الفلسطينية الأميركية وصلت إلى حدّ القطيعة بعد هذا الاعتراف وفي أعقاب العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على منظّمة التحرير الفلسطينية وإغلاق مكاتبها في الولايات المتحدة ووقف الدعم الأميركي للسلطة الفلسطينية.

وبالتالي، فإنّ رسم خطّة اليوم التالي لحرب غزّة في عهد ترامب ستكون مختلفة تماما عمّا يُمكن أن يفعله بايدن. فترامب، لن يكون مهتمّا بمسألة إعادة الإعمار دون تحقيق ثمن سياسيّ؛ وهذا الثمن من وجه نظره قد يكون المزيد من العلاقات بين دولة الاحتلال والدول العربيّة.

كما أنه لن يتردد في مواصلة تأييد إسرائيل في حربها وربما من دون حتى أي ضوابط أو كبح لجماحها، وعلى الأرجح، فإنّ إدارة بقيادة ترامب لن تتدخّل في تفاصيل العمليّات العسكريّة الإسرائيليّة ومدّتها ومساحتها الجغرافيّة طالما تريد إسرائيل ذلك.

كلّ هذا الحديث يندرج ضمن إسقاطات مختلفة عن سلوك الرئيس الأميركي السابق تجاه القضيّة الفلسطينية في فترة رئاسته؛ لكن ترامب، الذي يوصف سلوكه بالرمال المتحرّكة، قد يتّخذ عكس هذه الإسقاطات في ظلّ سياسة تصالحيّة جديدة ينتهجها وفقا لما يراه متابعون للشأن الأميركي.

وفي حالة خسارة بايدن الانتخابات، فسيشهد العالم فترة انتقاليّة حتى تنصيب الرئيس الجديد. خلال تلك الفترة، قد تتدخّل قوى دوليّة وإقليميّة لملء الفراغ؛ وقد تلعب الدول الأوروبية والعربية دورا أكبر في تقديم المساعدات الإنسانيّة وإعادة الإعمار، مع محاولات لتعزيز دور الأمم المتحدة في إدارة الأزمة.

أيضا، قد تزداد التوتّرات الإقليميّة إذا شعر الفلسطينيون بالإحباط من تغييرات السياسة الأميركية، مما قد يؤدي إلى موجة جديدة من العنف والاضطرابات، مع احتمالات أن تزداد الجهود الدوليّة للوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين ومحاولات لخلق توافق دوليّ حول خطوات محدّدة لتحسين الأوضاع الإنسانيّة في غزة.

* التحرك الصيني

يلاحظ تحرّك صيني مكثّف في الآونة الأخيرة، في محاولة لترتيب البيت الفلسطينيّ الداخلي تمهيدا لمسألة اليوم التالي للحرب.

وأبلغت مصادر فلسطينية وكالة أنباء العالم العربي بأنّ الصين قرّرت الرمي بثقلها في ملفّ المصالحة الفلسطينيّة الداخلية وتسعى جاهدة لترتيب البيت الفلسطينيّ عبر رأب الصدع ين حركتي فتح وحماس بمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية.

وأشارت المصادر ذاتها إلى أنّه على الرغم من الإشكالية التي اعترضت عقد لقاءات في وقت سابق، فإنّ الصين نجحت في إقناع فتح وحماس بالاجتماع مجددا وتقرّر أن تكون اللقاءات في 21 و22 من هذا الشهر.

وقال مصدر إن الصين "تريد أن تكون لاعبا رئيسا في مسألة اليوم التالي للحرب على قطاع غزة، وذلك من خلال السعي لوأد الخلافات الداخليّة وتشكيل جسم فلسطينيّ قادر على إدارة شؤون القطاع بعيدا عن فرض الإملاءات الخارجيّة".

وبحسب مصادر في حركة فتح، فإن من سيمثّل الحركة هذه المرّة هو نائب رئيس الحركة، في ظل وجود رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في الحوار.