النجاح الإخباري - وسط ما يرتكب من فظائع بحق المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، وفي ظل الفشل الأخلاقي والإنساني الذي منُي به العالم أجمع في قدرته على إيقاف هذه المذبحة، تتوالى التقديرات لواقعٍ أكثر مأساوية حينما تضع هذه الحرب أوزارها، بما يضاعف من أعداد الشهداء ويفاقم من سوداوية الواقع المُعاش الذي بات يفتقد لأدنى المقومات لمواصلة من نجوا حياتهم.
تقديرات: الحرب على غزة ستقتل نحو 186 ألف فلسطيني
"عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة سيصل إلى ما بين 3 إلى 15 ضعفاً وستقتل الحرب في الأشهر والسنوات المقبلة نحو 186 ألفاً، أي ما بين 7 إلى 9% من سكان غزة"، هذا ما رجحه أكاديميون في رسالةٍ نُشرت عبر مجلة "لانسيت" الطبية مؤخراً.
ويعقب أخصائي الأحياء الدقيقة والمناعة في كلية الطب وعلوم الصحة بجامعة النجاح د. وليد الباشا على ما ورد آنفاً، بقوله "إن هذه الرسالة وضعت الحد الأدنى والأعلى لأعداد الوفيات المتوقع خلال الفترة المقبلة، وهي أرقاماً حقيقية ولا تعتبر تضخيماً للواقع، حيث إن الجهات الصحية في قطاع غزة لم يعد لديها القدرة على العد الحقيقي للشهداء تحت الأنقاض خاصة ممن ارتقوا في المناطق التي تسيطر عليها دولة الاحتلال بشكلٍ كامل"
"ركزت المجلة في رسالتها على الباحث مارت ماكاي الذي يعمل في المعهد الوطني الإسرائيلي للسياسات الصحية، وهذا ما يعطي الرسالة واقعية بشهادة من الطرف الإسرائيلي على الأعداد المتوقعة من الوفيات ما بعد الحرب، حيث إنها تتوازى مع حجم القتل والدمار الممارس في غزة" يضيف الباشا للنجاح.
ويشير د. وليد الباشا إلى أن عدة عوامل مجتمعة تؤكد أن عداد الشهداء سيتضاعف على الأقل إلى ضعفين في المرحلة المقبلة، مع وجود أعداد كبيرة منهم تحت الأنقاض ومن تحللت جثامينهم أو احتجزت لدى الاحتلال، والتدمير الهائل الحاصل في البنية التحتية، إلى جانب من لم يعرف مصيرهم حتى اللحظات.
ومن الجدير ذكره، أن وسائل إعلام إسرائيلية قد تطرقت إلى احتجاز الاحتلال لما يقارب 1500 جثة مجهولة الهوية من قطاع غزة في معسكر "سديه تيمان" منذ السابع من أكتوبر الماضي، مما يعني أن أرقام المحتجزة جثامينهم أكبر مما يعترف به الاحتلال عادةً.
وقد نشر مكتب الأمم المتحدة في جنيف تقريرا في 2 مايو/أيار عن عدد الشهداء الموجودين تحت أنقاض غزة بنحو 10 آلاف شهيد. ويمثل انتشال أولئك الشهداء تحديا كبيرا لطواقم الدفاع المدني.
وتعود صعوبة انتشال الشهداء لغياب الجرافات والحفارات، إلى جانب عدم كفاية عدد العاملين، وقد يستغرق الأمر ما يصل إلى 3 سنوات لانتشال الجثث باستخدام الأدوات البدائية المتوفرة حاليا لدى الدفاع المدني بغزة.
"الوفيات غير المباشرة" قد ترفع الحصيلة إلى 9% من سكان القطاع
وذكرت مجلة "لانسيت" في رسالتها إلى أن الحروب يكون لها عواقب صحية غير مباشرة، بخلاف الأذى المباشر الناتج عن العنف، وأشارت إلى أنه حتى بعد انتهاء الحرب فإن العديد من الوفيات غير المباشرة ستقع في الأشهر والسنوات المقبلة، بسبب الأمراض التناسلية والسارية وغير السارية.
وتوقع أكاديميون مشاركون في الرسالة، أن تكون حصيلة الوفيات النهائية "ضخمة"، بسبب شدة القتل والدمار، والنقص الحاد في الغذاء والماء والمسكن، وعدم قدرة السكان على الفرار إلى أماكن آمنة، وتوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
ما بعد الحرب .. قلق متزايد من انتشار الأمراض والوبائيات بين المدنيين
وتأكيداً على ما سبق، يذكر لنا المختص في الأحياء الدقيقة د. وليد الباشا، إلى وجود تخوفات حقيقية من انتشار الأمراض المعدية وغير المعدية بالإضافة للأمراض الناشئة التي تشكل قلقاً وخطراً على المجتمع، خاصة في ظل عدم تطعيم الأطفال من مطاعيم (الحصبة والطعم الثلاثي والنكاف والكزاز وغيرها)، وتواجد عشرات الآلاف من المدنيين في العراء والخيم مما يعرضهم للعديد من الأمراض، إلى جانب قلة الغذاء وانعدام المياه النظيفة.
ويمضي الباشا قائلاً "لدينا قلق كبير من انتشار الوبائيات الكبدية نتيجة الجروح، والأوبئة المعوية من الإسهالات الشديدة من البكتيريا أو من الطفيليات الممكنة، والكوليرا نتيجة تلوث مياه الشرب، إلى جانب الأوبئة الرئوية وخاصة السل، والأمراض الجلدية نتيجة عدم الاستحمام وتكاثر القراد والقمل والحشرات التي تعيش على جسم الإنسان مع انتشار الجثث في كل مكان"
المجاعة والضغط النفسي.. مسببات رئيسية لضغف الجهاز المناعي والوفاة
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، حيث تطرق د. وليد الباشا، إلى أسباب هامة تؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات ما بعد الحرب، حيث المجاعة التي تعتبر من المسببات الرئيسية لنقصان وضعف الجهاز المناعي، إلى جانب الضغط النفسي والاكتئاب الداخلي والرعب والخوف، وكل ذلك سيقود في نهاية المطاف إلى فقدان المزيد من المدنيين، بما يجعل ما ورد من تقديرات في الرسالة السابقة حول ارتفاع أعداد الشهداء قريب جداً وواقعي وفقاً للباشا.
ويلفت د. الباشا إلى أن الجرحى في مستشفيات القطاع يتواجدون دون بيئة صحية معقمة، مع اضطرار الأطباء في الكثير من الأحيان إلى إغلاق العديد من الجروح دون تعقيم، الأمر الذي سيؤدي لاحقاً إلى قطع الأطراف والإصابات الدموية التي ستؤدي إلى الوفاة، حيث ارتقى أعداد من الشهداء بعد إجراء عمليات جراحية لهم لعدم وجود التعقيم الصحيح، وهذا ما ينذر بارتفاع أعداد الشهداء بشكلٍ كبير بعد انتهاء الحرب.
مستشفيات متوقفة عن الخدمة.. وتوقعات بموت المزيد من المواطنين مع استمرار الحرب
وجراء الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر، وصل أعداد الجرحى إلى 89166 على الأقل، منهم من يتواجد داخل مستشفيات القطاع التي خرجت غالبيتها عن الخدمة، وتعاني من نقصٍ حاد في الإمكانيات الطبية ونفاد الوقود.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن المستشفيات في قطاع غزة تفتقر لأبسط الأساسيات، الأمر الذي سيؤدي إلى موت المزيد من المواطنين في كل ثانية تستمر فيه الحرب.
وكانت منظمة الصحة العالمية قالت في تقرير لها الشهر الجاري، إن القطاع الصحي في غزة يحتاج 80 ألف لتر من الوقود يوميا، وأن آخر الإمدادات التي وصلت إلى القطاع، كانت في نهاية الشهر الماضي ما بين 195 ألفا و200 ألف لتر.
الدفاع المدني: جبال الأنقاض مليئة بالذخائر .. مما يتسبب في المزيد من الوفيات وفقدان الأطراف
وقال الدفاع المدني في غزة إن جبال الأنقاض مليئة بالذخائر غير المنفجرة، مما يؤدي إلى أكثر من 10 انفجارات كل أسبوع، مما يتسبب في المزيد من الوفيات وفقدان الأطراف.
وفي أبريل/نيسان، قال بير لودهامر، الرئيس السابق لخدمة الأمم المتحدة لإزالة الألغام في العراق، إن نحو 10% من الأسلحة في المتوسط لا تنفجر عند إطلاقها، ويجب إزالتها بواسطة فرق إزالة الألغام.
وقال لودهامر إن 65% من المباني المدمرة في غزة ،سكنية، مضيفا أن إعادة بنائها سيكون عملا بطيئا وخطيرا بسبب التهديد الذي تشكله القذائف والصواريخ أو الأسلحة الأخرى المدفونة في المباني المنهارة أو المتضررة.
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على قطاع غزة، برا وبحرا وجوا، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 38,713 مواطنا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة أكثر من 89,166 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.