النجاح الإخباري - في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر العام الماضي، وتفاقم حجم الدمار الناجم عنها، فإن بلورة خارطة طريق لمستقبل قطاع غزة عقب انقضاء الحرب بات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل تواصل الجهود الدبلوماسية المكثفة في العاصمتين (القاهرة والدوحة).
حيث يُجري الوسطاء مفاوضات ماراثونية تهدف إلى التوصل لاتفاق يضمن الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة ووقف إطلاق النار مؤقتا، ومع ذلك فإن ثمة تباينًا كبيرًا في رؤى الأطراف المَعنية بشأن خطط اليوم التالي للحرب في غزة، والتي أهمها الرؤية الأميركية فيما يسمى "مبادئ طوكيو الخمس"، أو ما يعرف بـ"لاءات بلينكن الخمس"، فما هي؟ وما أهم تفاصيلها.
مبادئ طوكيو الخمس
مبادئ طوكيو الخمس أعلنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مطلع نوفمبر 2023م، في أعقاب اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في العاصمة اليابانية طوكيو، والتي تشمل رفض مخططات التهجير القسري لسكان قطاع غزة، أو إعادة حصار القطاع أو احتلاله، مع التأكيد على رفض اقتطاع أي جزء من أراضي غزة، وذلك في مقابل التشديد على عدم السماح بتهديد الأمن الإسرائيلي سواء من قطاع غزة، أو الضفة الغربية.
إن الرؤية الأمريكية بشأن مستقبل القطاع لا تحظى بقبول الجانب الإسرائيلي، والذي قدّم أول مقترحاته لخطط اليوم التالي للحرب في غزة على لسان وزير الحرب الإسرائيلي يوآف جالانت في يناير 2024م، ورغم أن المُقترح الإسرائيلي يفتقر إلى التفاصيل، لكنه تتضمن بعض الخطوط العريضة لخارطة طريق حكم قطاع غزة، والتي ركَّزت بصفة رئيسة على عدم عودة حماس إلى السيطرة على غزة، على أن تتولى هيئات مدنية فلسطينية إدارة القطاع، وذلك دون تحديد ماهية هذه الهيئات، مع احتفاظ السُّلطات الإسرائيلية بالحق في السيطرة على حدود القطاع، والقيام بعمليات عسكرية داخل غزة وفق ما تقتضيه الحاجة، ولضمان ألا يشكل قطاع غزة أي تهديد لأمن إسرائيل في المستقبل.
نزع السلاح
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أكد على ضرورة نزع سلاح دائم في قطاع غزة وأن يكون هناك حكم مدني ألا يكون دوره فقط توزيع المساعدات على الفلسطينيين، وأشار إلى أن أفضل طريقة للقيام بذلك هي التعاون مع رعاية عربية مشتركة ومساعدة من الدول العربية لإقامة الحكم المدني في القطاع.
وتحدث نتنياهو عن إعادة إعمار غزة وأعرب عن اعتقاده أن المجتمع الدولي سوف يتولى المسؤولية إلى حد كبير.
مماطلة وتسويف نتنياهو
ويرى المحلل السياسي خالد معالي أن نتنياهو يماطل ويحاول تأجيل مسألة اليوم التالي في غزة، مشدداً على أن نتنياهو يعلم بأنه سيدفع ثمناً باهظاً وسوف تتم محاسبته عن الإخفاقات الكثيرة سواء قبل سبعة أكتوبر أو في السابع من أكتوبر.
كما أن خطط نتنياهو لليوم التالي للحرب للحرب تتعارض جملة وتفصيلًا مع المقترحات الأمريكية في هذا الشأن، الأمر الذي أدَّى إلى احتدام الخلافات بين الحكومة الإسرائيلية، وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
حيث أكَّد تقرير لموقع "أكسيوس" الأمريكي في 14 يناير 2024م، نقلًا عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى نفاد صبر بايدن تجاه نتنياهو على خلفية عزوف حكومة نتنياهو عن مناقشة خطط اليوم التالي للحرب في غزة بجدية، مشيرًا إلى أن بلينكن أبلغ سلطات الاحتلال خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط بأن الخطط الإسرائيلية لليوم التالي للحرب لا تعدو كونها مجرد "أضغاث أحلام".
ويقول معالي لـ"النجاح": "نتنياهو يستطيع أن يماطل ويستخدم كل نفوذه وقوته السياسية وحنكته من أجل أن يواصل هذه الحرب، لكن هذا له ثمن كبير جدا"، لافتاً إلى أنه أمام سيناريو إما الذهاب تجاه المماطلة والتسويف، وإما الذهاب تجاه الهدنة.
لكن الكاتب والمحلل السياسي الدكتور أحمد رفيق عوض يقول لـ"النجاح: "لكن السيناريوهات المطروحة إذا ظلت الأمور على ما هي عليه يعني احتلال قطاع غزة أو على الأقل إعادة إنتاج الاحتلال، لكن هذه المرة بموافقة دولية وإقليمية. يعني شرعنة الاحتلال. وطبعا شعبنا في قطاع غزة الذي تحمل ما لا تتحمله الجبال عمليا سيعاني الأمرين لمدة طويلة من الزمن، لأن هذا القطاع يحتاج إلى جهود هائلة من أجل إعادة الترميم والبناء، هذا كله سيدفع ثمنه الشعب الفلسطيني".
رفض العرب
لقد رفض المسؤولون العرب بشدة المشاركة في المناقشات حول خطط إعادة الإعمار المستقبلية ونشر مراقبين وقوات عربية في غزة، لأن أحداً لا يعرف كيف ومتى ستنتهي هذه الحرب. ويتركز اهتمامهم الأساسي حول وضع حد لإراقة الدماء ومنع النزوح. ولتحقيق هذه الغاية، دعوا إلى وقف فوري للعمليات العسكرية والقصف، مؤكدين على أهمية تجنب النزوح الذي يشكل تهديداً للفلسطينيين والأمن الوطني لمصر والأردن.
وأكدوا على ضرورة تقديم المساعدات الإنسانية، ودعوا إلى إطلاق عملية سياسية جادة تؤدي إلى حل الدولتين وتقديم بديل لـ"حماس" للشعب الفلسطيني، لأن "حماس" فكرة ولدت من رحم الاحتلال، كما قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي.
ووفقا لعدة مصادر فلسطينية، أعادت الولايات المتحدة خطة السداسية العربية لنقاشها من جديد ووضعت عدة ملاحظات عليها.
واجتماع السداسية الذي عُقد في مصر مارس الماضي، هو الثاني بعد اللقاء الذي جمع وزراء الخارجية في المملكة العربية السعودية في فبراير 2024، وضم كل من مصر والسعودية والأردن وقطر ووزيرة الدولة للتعاون الدولي بدولة الإمارات، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
حيث تم التباحث وتبادل وجهات النظر حول تطورات القضية الفلسطينية والتداعيات الكارثية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والجهود المبذولة لوقفها وما تنتجه من معاناة وكارثة إنسانية غير مسبوقة.
وانتهى ببيان يطالب بوقف وإنهاء الحرب والتوصل إلى وقف فوري وتام لإطلاق النار، واتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ويقول المحلل السياسي خالد معالي: "نتنياهو كما نرى كل مرة يكون فيها هناك تفاؤل بعقد التهدئة نراه ينسفها بدهاء ومكر وبإجراءات على الأرض، بمعنى أن المعطل الرئيسي الان بات هو نتنياهو. هذا يدركه قادة الاحتلال سواء في القيادة السياسية والعسكرية للجيش أو حتى المعارضة وحتى أهالي الأسرى لدى المقاومة"