منال الزعبي - النجاح الإخباري - في غزة،  طمست الحرب ملامح الحياة ودمرت وجه القطاع ونسفت الحياة فيه، فلم يتبقّ لا معالم بارزة ولا بنية تحيتية حتى القامات العلمية الذين يشكلون ثروة غزة الفكرية تحوّل حالهم حال مدينتهم إلى دمار.

البروفيسور خميس الإسي أحد أعلام غزة وأحد الأكاديميين والأطباء الذين كانوا يعملون بجد لنشر المعرفة وتحسين الرعاية الصحية، فوجدوا أنفسهم يواجهون ظروفًا صعبة تهدد جهودهم وإنجازاتهم. ما يعكس حالة من الصمود والإصرار العلمي.

مسيرة مشرّفة
لم يكن من السهل على بروفيسور في مجال الطب، "تخصص تأهيل الأعصاب"، أن يترك عمله في عيادته الخاصة ليكرس حياته للمجال الأكاديمي والبحث العلمي. البروفيسور خميس الإسي، الأستاذ المشارك في كلية الطب بالجامعة الإسلامية بغزة، كرّس حياته لتطوير قدراته البحثية والمهنية، مما ساهم في خدمة طلبته وجامعته ووطنه. لقد تعدت إنجازاته حدود غزة لتصل إلى المستوى العربي والعالمي، وتُوجت مؤخراً باعتماد وحدة البحوث والطب المسند بالبراهين في الجامعة الإسلامية كفرع رسمي لمركز الطب المسند بالبراهين في جامعة أكسفورد ببريطانيا.

البروفيسور الإسي، الذي يدرس مساقات علم الأعصاب، والبحث العلمي، وطب التأهيل، وفن التواصل بين الأطباء، نشر أكثر من 60 بحثاً علمياً، وهو عضو في العديد من الجمعيات الدولية المرموقة. لقد جرى تكريمه لجهوده في نشر ثقافة الطب المسند بالبراهين وعلاج الألم، وتلقى تدريبات مكثفة في دول مثل الفلبين وماليزيا، مما أكسبه شهادات تميز في حقن المفاصل باستخدام البلازما الغنية بالصفائح الدموية.

الزمالة الفخرية والإنجازات
حصل البروفيسور الإسي على درجة الماجستير في الطب المسند بالبراهين من جامعة أكسفورد، وهو الأول في العالم العربي والأول في فلسطين في هذا المجال.

تم تكريمه بمنحه درجة الزمالة الفخرية من جامعة أكسفورد، إلى جانب الجائزة الأولى في التميز الأكاديمي لعام 2018. لقد ساهم في نشر ثقافة الطب المسند بالبراهين في قطاع غزة رغم الظروف القاسية والحصار.
أسس البروفيسور الإسي وحدة الطب المسند بالبراهين في الجامعة الإسلامية عام 2009، حيث بدأ بتدريس مبادئ هذا الطب لطلبة كلية الطب. من خلال تنظيم الدورات والمؤتمرات، نجح في نشر ثقافة البحث العلمي والممارسات الطبية المبنية على الأدلة في غزة وفلسطين، وحصلت الجامعة الإسلامية على اعتماد كامل من جامعة أكسفورد لهذه الوحدة.

 العقول النيرة تبقى شامخة
اليوم وبعد الدمار الهائل الذي لحق بغزة جرّاء المقتلة الإسرائيلية على مدار تسعة شهور، دمّرت الجامعة الإسلامية وكذلك البروفيسور خميس الإسي الذي لخّصت معاناته أ.بدرية السمّاك  في منشورها عبر صفحتها على منصة "فيسبوك" تقول: 

"شعرت بالقهر الشديد عندما رأيت قامة علمية كبيرة تُهجر وتُحرم من أدنى متطلبات الحياة، ولكن ستبقون شامخين بعلمكم وقدركم".

في حين كتب البروفيسور الإسي يقول: "إنها ليست معاناتي الشخصية التي لا تتوقف ورعبها وحدها بل المحنة اليومية لـ 2.4 مليون فلسطيني في قطاع غزة المحاصر وخاصة في حجر مدينة غزة المسحوق".

ونشر الإسي صورة له تسببت بها الحرب مع صورة للوحة جمل المحامل، اللوحة الفلسطينية التي أبدع في ميلادها  الفنان الفلسطيني سليمان منصو عام (1973) فتحولت إلى ما يشبه الأيقونة في قلوب كل الفلسطينيين والمقدسيين على وجه الخصوص. حيث وظف فيها شخصية العتّال ( الحًمال) الذي يتحول إلى متجول دائم يحمل هموم القدس وقلق الوطن. يمشي في الفراغ، هائماً في أرض لا نهاية لها دلالة على اغترابه بقدمين حافيتين كبيرتين، وثياب رثة، وبذراعين قويتين. يحمل هم الوطن المنكوب على ظهره في مواجهة مرارة التجربة اليومية والخسارة المستمرة إلى الآن.. التي يعيشها الإسي وكل أهالي القطاع.

قصة الإسي هي شهادة على قوة العزيمة والإصرار التي يتمتع بها العلماء في غزة رغم الأسى والألم بانتظار تحقيق قادم أجمل.