النجاح الإخباري - عمَّت إسرائيل حالة من "النشوة" بعد تحرير أربعة محتجزين في قطاع غزة يوم السبت الماضي في عملية حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، حتى إن دموع بعض المذيعين انهمرت على الهواء فرحا، وانتشرت صور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو - الباحث عن أي إنجاز - وهو يعانق المحرَّرين وعائلاتهم.
لكن سرعان ما تبددت هذه النشوة بعد تكشُّف التفاصيل، فعدد الفلسطينيين الذين استشهدوا في الهجوم على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ومشاهد الدمار الهائل والدماء والأشلاء جعلت إسرائيل في مرمى الانتقادات الدولية مجددا. كما أن آمال الإسرائيليين في تحرير المزيد بالقوة تبخرت.
فقد أجمع المحللون العسكريون على أن تكرار مثل هذه العملية ربما يكون أشبه بالمعجزة خاصة أن كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ستتخذ وفقا للعديد من المراقبين احتياطاتها اللازمة وستنقل المحتجزين من المباني السكنية التي كانوا فيها إلى ظروف أكثر قسوة داخل الأنفاق تحت الأرض حيث يصعب الوصول إليهم.
ويزداد هذا التوقع قوة مع ما صرح به أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، حين قال إن عملية النصيرات "ستشكل خطرا كبيرا على أسرى العدو وسيكون لها أثر سلبي على ظروفهم وحياتهم"، مؤكدا أن أول من تضرر من العملية الإسرائيلية هم الأسرى أنفسهم.
وقالت كتائب القسام إن القوات الإسرائيلية قتلت خلال العملية ثلاثة محتجزين، أحدهم أميركي الجنسية. وأظهر تسجيل مصور بثته الكتائب لقطات لثلاث جثث على ما يبدو وجوه أصحابها مطموسة.
واعتبرت حركة حماس العملية الإسرائيلية "فشلا استراتيجيا"، وقالت في بيان إن الفصائل الفلسطينية لا تزال تحتفظ بالعدد الأكبر من المحتجزين، وأكدت أنها "قادرة على زيادة غلتها من الأسرى".
من جانب آخر أشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هغاري في مؤتمر صحفي يوم السبت إلى صعوبة العملية وإلى أن الحصول على معلومات استخباراتية لتنفيذها كان "معقدا للغاية". وقال "نحن نعلم أننا لا نستطيع القيام بعمليات من أجل إنقاذ جميع الرهائن".
وأعلنت الصحة في غزة أمس الأحد أن الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات أوقع 274 قتيلا، ما رفع إجمالي ضحايا الحرب على القطاع منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي إلى 37 ألفا و84 قتيلا، و84 ألفا و494 مصابا.
* "كل ساعة تمر.. حاسمة"
وصف الباحث والمحلل في قضايا الصراع نزار نزال ما حدث بأنه "إخفاق" إسرائيلي، وأعرب عن اعتقاده بأن العملية الإسرائيلية ستدفع حركة حماس لإعادة النظر في كل التفاصيل الخاصة بالمحتجزين لديها.
وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) "أعتقد أن المقاومة الفلسطينية ستعيد النظر بكل تفاصيل الحراسة وكل التفاصيل، وسيكون هناك تقييم وأخذ الدروس والعِبَر مما حصل، وأعتقد أنها ستنفذ عمليات نوعية لها علاقة بأَسر جنود لتعويض ما حصل... فالقضية معنوية".
ومع مرور أكثر من ثمانية أشهر على الحرب لا تزال إسرائيل غير قادرة على تحقيق أي من أهدافها المعلنة المتمثلة في إسقاط حكم حماس وتحرير محتجزيها الذين ينفد الوقت أمام خروجهم في صفقة تبادل.
ووفقا لتقديرات إسرائيلية معلنة، فإنه لا يزال في قبضة حماس 120 محتجزا، ثلثهم ليسوا على قيد الحياة.
وكتب المحلل السياسي ناحوم برنياع في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت أمس الأحد "يوجد في غزة حاليا ما يقرب من 120 مختطفا وفقا لتقديرات جيش الدفاع الإسرائيلي، نصفهم تقريبا ما زالوا على قيد الحياة. ولا توجد طريقة لتحريرهم جميعا، ولا حتى معظمهم، من خلال عمليات عسكرية".
وأضاف "إذا كان هناك من يعتقد أن عملية أمس تعفي الحكومة من صفقة، فإنه يعيش في وهم. على العكس من ذلك، الفرحة بتحرير الأربعة فقط أوضحت الحاجة إلى صفقة... وكل ساعة تمر تكون حاسمة".
وأكد برنياع أن العملية العسكرية لم تحلّ أيا من المشاكل التي تواجهها إسرائيل منذ بدء الحرب، وقال "لم تُحل المشكلة في الشمال، ولا المشكلة في غزة، ولا العديد من المشاكل الأخرى التي تهدد إسرائيل على الساحة الدولية؛ بل تواصل الحكومة الغرق في المأزق الذي صنعته لنفسها في كل من هذه الملفات".
ويقول الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات لوكالة أنباء العالم العربي أن عملية النصيرات ربما تكون قد حققت "في الجانب التكتيكي" نصرا لنتنياهو كي يستعيد جزءا من شعبيته أمام أهالي المحتجزين.
لكنه توقع في حديثه لوكالة أنباء العالم العربي أن يستمر نتنياهو في الحرب على قطاع غزة وقال "الحرب بذاتها باتت هي الهدف لعدم وجود أي مخرج آخر لرئيس الوزراء الإسرائيلي".
وهو يرى أيضا أن جميع الدلائل تشير إلى احتمالية امتداد الحرب إلى الجبهة اللبنانية.
* ضربة الاستقالات
في تطور ملفت، أعلن الوزير بيني غانتس والقائد العسكري السابق غادي آيزنكوت استقالتهما من حكومة الطوارئ الإسرائيلية. وعقب قرارهما، طالب غانتس الذي يترأس كتلة (المعسكر الوطني) رئيس الوزراء بإجراء انتخابات عامة مبكرة في أقرب وقت.
وجاءت استقالة غانتس وآيزنكوت بعد أشهر من الخلاف البارز داخل صفوف الحكومة حول إدارة الحرب في غزة والرؤية الاستراتيجية طويلة الأمد المتمثلة في اليوم التالي للحرب.
ويُنظر إلى قرار الاستقالة على أنه ضربة قوية لحكومة نتنياهو في ظل الضغوط المتزايدة لحسم الصراع العسكري.
ويقول أنشيل فيفر، الكاتب في صحيفة هآرتس الإسرائيلية "مع رحيل غانتس، لم يعد لدى نتنياهو أحد يمكن أن يلقي عليه اللوم في تردده الذي يلقى استياء واسعا".
ويضيف "بعد الآن، لن يكون لدى نتنياهو سوى لوم (وزير الجيش الإسرائيلي يؤآف) غالانت، وقد يضطر في النهاية للوقوف أمام حلفائه المتطرفين بمفرده... وستكون هناك جبهة معارضة واسعة أمام الحكومة في موجة احتجاجات غير مسبوقة".
ويتابع فيفر "أيا ما كان ظن غانتس حول ما يمكن أن يكسبه من خلال وجوده في الحكومة، فقد انتهى الآن. إسرائيل عالقة حاليا على جميع الجبهات ولأشهر قادمة. إذا كان حتى غانتس، الرجل الذي كان يلوّح دائما بالواجبات اللازمة ويتحدث عنها، يغادر الآن مجلس الحرب، فهذه الحكومة عديمة الجدوى تماما".
وبينما تزداد الضغوط على نتنياهو للتوصل إلى اتفاق تبادل مع حماس التي تشترط إنهاء الحرب وسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، تحاصره الأحزاب اليمينية وتهدده بحل ائتلافه الحكومي في حال مضى في صفقة تُفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وبعدما راحت "سكرة" عملية النصيرات جاءت "فكرة" يفرضها الواقع، وتوالت التساؤلات: هل تدفع هذه العملية الدراماتيكية باتجاه تحقيق صفقة تبادل؟ أم أنها ستجعل نتنياهو أكثر تمسكا بشعاره المعلن "استمرار الحرب لحين تحقيق النصر"؟.
والسؤال الأهم:"هل من نصر حقيقي؟".