النجاح الإخباري - في عالم يتسارع فيه الابتكار التكنولوجي، تبرز قضايا معقدة تتجاوز حدود الأعمال التجارية لتلامس السياسة الدولية والأخلاق. تحت دائرة الضوء الآن، علاقة عمالقة التكنولوجيا بإسرائيل في سياق الحرب على غزة، حيث تتشابك خيوط الدعم العسكري والسياسي مع الشراكات التكنولوجية، مما يثير تساؤلات حول المعايير المزدوجة والخوارزميات المتحيزة.
الدعم التكنولوجي
تتلقى إسرائيل دعمًا عسكريًا وسياسيًا كبيرين من حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن، ما يثير الانتباه هو الدعم التكنولوجي الذي تقدمه شركات عملاقة مثل "أمازون" و"غوغل" و"ميتا". هذا الدعم يمكّن إسرائيل من استغلال كميات هائلة من البيانات لتشغيل أنظمة حربية متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل نظامي "غوسبال" و"لافندر".
لم يمر هذا الدعم دون رد فعل، حيث عبر موظفون داخل هذه الشركات عن استيائهم من خلال تنظيم احتجاجات ومطالبة إداراتهم بإعادة النظر في هذه الشراكات. وقد أدى ذلك إلى تصاعد التوترات داخل شركة "غوغل"، خاصةً بعد مطالبات بوقف مشروع "نيمبوس".
مشروع "نيمبوس"
يعد مشروع "نيمبوس"، الذي بدأ في عام 2021 بتعاون بين إسرائيل و"غوغل" و"أمازون" بقيمة 1.23 مليار دولار، من أكبر المشاريع التكنولوجية في إسرائيل. يهدف المشروع إلى إنشاء نظام حوسبة سحابية يسمح بمعالجة وتخزين كميات ضخمة من البيانات بسرعة فائقة، مما يعزز قدرات إسرائيل التكنولوجية والعسكرية.
وفي السياق قال تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن إسرائيل تستخدم تكنولوجيا للتعرف على الوجه بشكل موسع في غزة منذ أواخر العام الماضي بغرض مراقبة وتعقب الفلسطينيين.
ونقلت الصحيفة عن ضباط في المخابرات الإسرائيلية ومسؤولين عسكريين وجنود قولهم إن «هذه التكنولوجيا استخدمت في البداية في غزة للبحث عن الإسرائيليين الذين احتجزتهم (حماس) رهائن بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول). لكن فيما بعد، استخدمت التكنولوجيا لإجراء مراقبة جماعية للفلسطينيين في قطاع غزة؛ حيث تم جمع صور وجوههم وتخزينها دون علمهم».
وقال أحد الضباط إنه في بعض الأحيان، صنّفت التكنولوجيا المدنيين بشكل خاطئ على أنهم مقاتلون تابعون لـ"حماس".
ولفت 4 ضباط استخبارات إلى أن برنامج التعرف على الوجه، الذي تديره وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، يعتمد على تكنولوجيا من شركة «كورسايت»، وهي شركة إسرائيلية خاصة. وقالوا إنه يستخدم أيضاً صور "غوغل".
وقال مات محمودي، الباحث في منظمة العفو الدولية، إن استخدام إسرائيل لتقنية التعرف على الوجه في الحرب يمثل مصدر قلق لأنه قد يؤدي إلى "تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم بشكل كامل"، حيث لا يُنظر إليهم على أنهم أشخاص.
بعد 7 أكتوبر، لجأ ضباط المخابرات الإسرائيلية في الوحدة 8200 الخاصة بـ«الاستخبارات الإلكترونية»، إلى أساليب المراقبة هذه للحصول على معلومات عن مسلحي "حماس" الذين انتهكوا حدود إسرائيل. وقال أحد الضباط إن الوحدة فحصت أيضاً لقطات الهجمات من الكاميرات الأمنية، بالإضافة إلى مقاطع الفيديو التي قامت «حماس» بتحميلها على وسائل التواصل الاجتماعي. وأضاف أنه تم إخبار الوحدة بإعداد «قائمة اغتيالات» لأعضاء «حماس» الذين شاركوا في الهجوم.
وقال ثلاثة ضباط مخابرات إسرائيليين إنه تم بعد ذلك إحضار شركة «كورسايت» لإنشاء برنامج للتعرف على الوجه في غزة.
وتقول الشركة، التي يقع مقرها الرئيس في تل أبيب، على موقعها الإلكتروني، إن تقنيتها «تتطلب أن يكون أقل من 50 في المائة من الوجه مرئياً للتعرف عليه بدقة، كما أنها تتعرف بجدارة على صور الأشخاص في الملتقطة في الظلام، وبجودة رديئة.
وقال أحد ضباط المخابرات الإسرائيلية إن أفراد الوحدة 8200 سرعان ما اكتشفوا أن تقنية «كورسايت» تواجه صعوبات ومشكلات إذا كانت اللقطات غير واضحة أو قليلة الجودة أو إذا كان هناك مشكلة في وجه الشخص.
تحت المجهر
يدعو المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى تحقيق دولي في مسؤولية شركات التكنولوجيا الكبرى عن استخدام إسرائيل لأنظمتها التكنولوجية في الهجمات على غزة. يُشير المرصد إلى استخدام أنظمة مثل “Gospel” و"Lavender" لمراقبة الفلسطينيين وتحديد الأهداف بناءً على الذكاء الاصطناعي، مما يؤدي إلى مقتل مدنيين. يُنتقد عدم التحقق من دقة البيانات والاعتماد على الاحتمالات، مما يزيد من خطر الأضرار الجانبية. يُسلط الضوء على التعاون بين إسرائيل وGoogle في مشروع “Nimbus”، ويُطالب بمحاسبة الشركات إذا ثبت تواطؤها أو إساءة استخدام خدماتها. يُشدد المرصد على ضرورة الالتزام بحقوق الإنسان وتجنب تقديم بيانات قد تُستخدم في الانتهاكات ضد الفلسطينيين.
تواجه شركات التكنولوجيا الآن تحديات أخلاقية وقانونية معقدة، حيث يتعين عليها التوفيق بين مصالحها التجارية والضغوط السياسية والمعايير الأخلاقية. ومع تزايد الانتقادات الدولية، تبرز الحاجة إلى نقاش أوسع حول دور التكنولوجيا في الصراعات العالمية وتأثيرها على حقوق الإنسان.