نابلس - النجاح الإخباري - لارا زايد- بسياسة وأيدولوجيات منحازة، تعاملت وسائل الإعلام الغربية مع أحداث السابع من أكتوبر، حيث تبنت الرواية الإسرائيلية بشكل كامل، وعندما تبين زيف الكثير من الادعاءات تراجعت بعض وسائل الإعلام الغربية واعتذرت لكن البعض منها واصل مضيه في تلفيق الأخبار الكاذبة ومنها مثلا قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين، بل ذهبت بعض وسائل الإعلام إلى اختراع مشاهد وحشية من وحي الخيال، وكل ذلك في محاولة لشيطنة الفلسطيني ونزع الصفة البشرية عنه، كمقدمة لإبادته.
وفي تقريرنا هذا، نسلط الضوء على كيفية تغطية وسائل الإعلام الغربية للقضية الفلسطينية، والحرب المتواصلة على غزة النموذج الأقرب لذلك، من خلال تجربةٍ واقعية لعدد من الصحفيين العاملين في وسائل الإعلام الأجنبية وآخرون متابعون لها.
الإعلام الغربي.. من التمسك الكامل بالرواية الإسرائيلية إلى التعاطي مع ما يحدث فلسطينياً
وقد أجرينا حواراً مع الصحفي وليد بطراوي الذي يعمل مع وسائل إعلام أجنبية، وذكر لنا بأن التحدي الأكبر في العمل مع الإعلام الغربي يكمنُ بأن الصحفي الفلسطيني يواجه تحدياً داخلياً حينما يرى كل ما يجري في قطاع غزة، ولكن عليه أن يلتزم بالمعايير المهنية المطلوبة وفقاً للمؤسسة التي يعمل بها.
ويضيف بطراوي "في بداية الحرب على غزة، رأينا كل المعايير المهنية بدأت تتهاوى أمام أعيننا، في الوقت الذي نتحدث فيه عن الموضوعية والحيادية والتحقق، فأصبحنا في حيرةٍ من أمرنا، بالتساؤل إن كانت هذه المعايير هي من تحكم العمل، أم هو نهج داخلي تتبعه المؤسسات الإعلامية الغربية، حيث هنالك فرق بين أن تكون موضوعي أو عادل أو محايد في التغطية، حيث لا يمكن أن نعطي القصة الفلسطينية كما الإسرائيلية، وأن نكون عادلين فيها"
ويشير بطراوي في حديثه للنجاح، إلى أن معظم العاملين في الإعلام الأجنبي، يرون ويدركون ما يحدث، ويتعاطفون مع الفلسطينيين، لكن هناك معايير تحريرية يجب على العاملين الإلتزام بها، وهذه المؤسسات لها جمهور متنوع، وفي بعض الأحيان تضع هذه المؤسسات قيود ومعايير معادية للشعب الفلسطيني.
ويرى بطراوي أنه في بداية الحرب على غزة، لم تكن هناك رواية فلسطينية حقيقية مقابل الرواية الإسرائيلية القوية جداً، وروج الإعلام الغربي على أن ما حدث في 7 أكتوبر بأنه جريمة كبرى، وقد طغت الرواية الإسرائيلية باللغة الإنجليزية وانتشرت بشكل واسع من دون تحقق، فيما ركز الإعلام على إدانة حركة حماس فقط.
"وعقب المجازر الإسرائيلية التي حدثت بحق المدنيين بعد 7 أكتوبر، وهول ما جرى، لم يستطع الإعلام الغربي تجاهل ذلك، وتابع القصة الفلسطينية وقد تغيرت النظرة إلى حدٍ ما، لكن بقي الإعلام الغربي يتناول الرواية الإسرائيلية ويتعاطف مع الرهائن، كون هذا الإعلام عليه أن يعمل في جميع الاتجاهات" يواصل بطراوي حديثه.
ويختتم بطراوي حديثه للنجاح بالإشارة إلى الدور الذي لعبته وسائل التواصل الإجتماعي في التأثير على الإعلام الغربي، حينما انتفض الشارع الغربي ضد الإعلام والسياسات الخارجية مما اضطر الإعلام الغربي إلى التعامل مع ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية.
فيما يذكر لنا صحفي آخر يعمل في وسائل إعلام أجنبية – فضل عدم الكشف عن هويته- إلى أن التقييدات والقوانين التي تفرضها وسائل الإعلام الغربية على القضية الفلسطينية يكمنُ بسبب وجود مؤسسات ضاغطة تتبع لإسرائيل من اللوبي الصهيوني، والهدف منها مراقبة الإعلام المؤيد لفلسطين ونفيّ روايته، وأن تجعل الإعلام المحايد يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية، فالأمر لم يعد قناعات لدى المؤسسات الأجنبية، وإنما قوانين تفرض في أوروبا وأمريكا على هذه المؤسسات الإعلامية.
وذكر الصحفي في حديثه للنجاح، "مؤخراً تشترط المؤسسات الإعلامية الأجنبية على العاملين فيها ضمن بنود العقد، بعدم المعاداة للعرق والسود والتمييز بين المرأة والرجل ومعاداة السامية، وهذا تعريف واسع، والإعلاميون الفلسطينيون يواجهون في الغرب نوع من الملاحقة من قبل مؤسسات أخرى تقوم بمراقبتهم، وإرسال ما يكتبونه للمؤسسة التي يعملون بها، لتحشدهم ضده، وهذا ينبع من خوفهم من التواجد الفلسطيني وإيصال القضية الفلسطينية بصورتها الحقيقية"
ولفت إلى أمر وصفه بالهام، إلى أنه من الخطأ التعامل مع الغرب كمنظومة واحدة، حيث يتواجد بداخله كتل عديدة لديها اختلافات واضحة في هذا المجال.
فيما أشار الصحفي العامل في مؤسسات أجنبية للنجاح، إلى فقدان الرؤية والخطة الواضحة والدعم المؤسساتي للدفاع عن الإعلامين الفلسطينيين، لنشر الرواية الفلسطينية وإيصالها، مضيفاً أن بنية الخطاب الإعلامي الرسمي غير كافية لفرضها دولياً وإحداث تأثير حقيقي في الرأي العام العالمي.
"التكنولوجيا كسرت قيادة الدول وقدرتها على التحكم بما ينشر ولا ينشر"
أستاذ العلاقات الدولية د. أمجد أبو العز، يقسم التغطية الإعلامية الغربية إلى مرحلتين، حيث الأسابيع الأولى من بداية الحرب على غزة وما بعد هذه الفترة قائلاً في ذلك، "في الفترة الأولى تبنى الإعلام الغربي الرواية الإسرائيلية بشكل كامل مع تصوير الأحداث كمجازر واختطاف نساء وحرق أطفال، ووصفها بأعمال داعش وما يشبه "الهولوكوست".
ويمضي أبو العز في حديثه للنجاح الإخباري "بعد ذلك، تغيرت الرؤية عندما كشف زيف الإدعاءات والأكاذيب الإسرائيلية، حينها بدأت دول العالم تتحول عن الدعم الكامل لهذه الرواية وفي النهاية تغيرت التغطية الإعلامية وأصبحت أكثر توازنًا ونزاهة، وأخذت حيز أكبر في النشرات الإخبارية والصور والفيديوهات"
ويرى أبو العز، أن وسائل التواصل الإجتماعي فرضت على الإعلام الغربي أن يغير من نهجه في التغطية، حيث تغيب الرقابة الصارمة، وبالتالي قدرة إسرائيل والمجتمعات الغربية المؤيدة لها على تدفق المعلومات قد انتهى، حيث أن التكنولوجيا كسرت قيادة الدول وقدرتها على التحكم فيما ينشر وما لا ينشر، وهذا ساعدنا نحن كفلسطينيين في دعم الرواية والسردية الفلسطينية.
" جامعات عريقة مثل هارفرد أو جامعة تكساس أو درم وغيرها، هي التي تنتج المعرفة وبالتالي هي لم تعد تقبل السردية الروائية الإسرائيلية كما هي الان،بطرح تساؤلات، هل الفلسطينيين لهم الحق؟ هل قمع الطلاب حق؟ هل يؤثر على حرية التعبير؟ هل هذا يؤثر على مبادئنا؟، وأصبحت المعركة الحقيقية مرتبطة بضمان الحق في التعبير بغض النظر عن القضية التي يطالب بها الطلبة، وهم الأقدر على إيصال الرسائل، وبالتالي وسائل الإعلام والمؤسسات لا تستطيع تجاهل هذا الصوت" يختتم أبو العز حديثه للنجاح.
وعلى ضوء ما سبق، تؤكد الأبحاث والدراسات في هذا السياق، إلى وجود تفاوت حقيقي في التغطية الإعلامية الغربية، بين الأنماط السائدة في تقديم الأحداث، وتبني وجهات نظر سياسية أو انحيازات معينة، بالمقابل تطورت الجهود الإعلامية في الغرب، من أجل توفير تغطية متوازنة للحدث الفلسطيني، في إطار كل التطورات الحاصلة فلسطينياً ودولياً على المستوى السياسي والشعبي والدبلوماسي والتي لا يمكن التغافل عنها.