النجاح الإخباري - قبل 82 عامًا، درست بريطانيا إنشاء "منطقة تنمية عملاقة" تمتد من جنوب مدينة العقبة الأردنية حتى مدينة غزة، وتشمل مدينتي رفح والعريش في شمال شبه جزيرة سيناء المصرية. هذا المشروع كان يهدف إلى حفر قناة بديلة لقناة السويس، مما ينهي اعتماد بريطانيا على القناة المصرية في حركة النقل وخدمة المصالح البريطانية في الشرق الأوسط.

تفاصيل مشروع "قناة العقبة"

اقترح ويليام إل غوردن مشروعًا عملاقًا لإنشاء قناة تمتد من العقبة إلى غزة، أطلق عليها اسم "قناة العقبة". تضمن المشروع عدة محاور رئيسة:

1. القناة الرئيسية: بطول 177 كيلومترًا، عرض 500 قدم، وعمق 50 قدمًا، تبدأ من جنوب العقبة وتنتهي في غزة، لتكون أطول وأوسع وأعمق من أي قناة حالية مثل السويس وبنما، وتتجنب عيوب قناة السويس.

2. منطقة التنمية الشرقية: تمتد داخل أراضي فلسطين التاريخية بعرض 8.5 كيلومتر وطول 177 كيلومتر، تتكون من قرى زراعية، بلدات للمشاريع والأعمال، منافذ للمنتجات الزراعية، ومدن كبيرة للصناعة والتجارة.

3. منطقة التنمية الغربية: تشمل جزءًا من شمال وشمال غربي سيناء، تمتد لتشمل رفح المصرية والعريش.

4. خط سكة حديد مزدوج: يمتد على ضفتي القناة الجديدة.

5. خط سكة حديد ثانٍ: يبدأ من منتصف القناة إلى نقطة الحدود المصرية المقترحة بين رفح والعريش.

6. طريق أسمنتي: يمتد في وسط المنطقة الغربية، يتفرع إلى فرعين؛ الأول إلى غزة والثاني إلى العريش.

أطلق غوردن على المدن الكبيرة المقترحة أسماء مثل غزة الجديدة، بئر السبع الجديدة، العقبة، وينستون، وفرانكلين. توقع أن تتحول منطقة التنمية إلى مركز صناعي وتجاري يربط أفريقيا، الهند، أوروبا، وآسيا خلال 20 عامًا من إنشائها.

مبررات مشروع "قناة العقبة"

تنبأ رجل الأعمال الأمريكي ويليام إل غوردن بأن المصريين سيطالبون باستعادة قناة السويس بعد انقضاء اتفاق فيردناند ديليسبس مع الحكومة المصرية في 17 نوفمبر 1968.

اعتبر غوردن أن مصر تنتظر بفارغ الصبر هذا الانقضاء، معتقدة أن بريطانيا ستسلمها القناة والمعدات والتجارة، دون مراعاة للاستثمارات البريطانية الكبيرة فيها. وأشار إلى أن مصر، التي باتت قوية سياسياً، كانت دائماً تشكل تحدياً لبريطانيا وستستمر في ذلك بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة مع تطلعاتها لتعزيز قوتها البحرية والتجارية.

تنفيذ المشروع قانونيًا

قدم غوردن عدة بدائل لتنفيذ المشروع:

1. بيع الأرض بشكل كامل ومطلق.

2. منح عقد عام لشركة غوردن وشركائه، بالتعاون مع مجموعة من الرأسماليين في قطاع المقاولات والبناء.

3. تنفيذ المشروع بالكامل لحساب الحكومة البريطانية.

4. منح امتياز مماثل لما حصل عليه ديليسبس في مشروع قناة السويس، من خلال حق الانتفاع لمدة 99 عاماً، وحفر القناة لحساب شركة غوردن والمجموعة الاستثمارية، مع إمكانية بيع الأسهم للحكومتين البريطانية والأمريكية أو حكومات أخرى.

مصادرة وتعويض

اقترحت الخطة أن تصادر بريطانيا الأراضي وتدفع للعرب تعويضًا صغيرًا عن أراضيهم الصحراوية غير المنتجة. كبديل، يمكن لبريطانيا أن تدعي حاجتها للأرض لبناء مرافق حربية مثل خط سكة حديد.

نفي التوطين اليهودي

أكد غوردن أن مشروعه تنموي وليس له صلة بالمنظمة الصهيونية أو توطين اليهود في فلسطين، رغم أنه يهودي وصهيوني. وأوضح أن هدف المشروع هو الربح فقط، قائلاً لتشرشل "ليس هناك أي أيديولوجية مرتبطة بهذه الخطة إلا الدولارات والسنتات".

التعايش العربي اليهودي:

استخدام العرب واليهود في تنفيذ المشروع، تطوير القرى الزراعية المشتركة لتحقيق التعايش المشترك.

يهودي "متحضر" وعربي "متلون"

عقد غوردن مقارنة بين اليهودي والعربي بناءً على "الفطرة السليمة"، حيث وصف اليهودي بأنه متحضر، مخلص لحكومته، ومدافع عن بريطانيا، بينما وصف العربي بأنه غير متحضر، يسهل رشوته وتحريضه، ويميل للهرب إلى البرية عند أي ضائقة.

لم يتلقَ غوردن ردًا سريعًا، فكتب مجددًا إلى تشرشل. وجاء الرد في أبريل 1943 من مدير مكتب تشرشل، موضحًا أن تشرشل يأسف لعدم قدرته على دعم المشروع في ظل الظروف الحالية. ولم تقدم بريطانيا أسبابًا محددة للرفض.

إعادة طرح المشروع

بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وقيام إسرائيل، بحثت وزارة الخارجية البريطانية إمكانية إنشاء حامية بريطانية دائمة في فلسطين والدفاع عن قناة السويس. أُعيد طرح فكرة قناة العقبة-غزة، لكن تقرر أن الصعوبات الهندسية والتكلفة العالية تجعل المشروع غير مجدٍ.

كما نوقش إنشاء معسكرات للقوات البريطانية قرب غزة والاحتفاظ بممر بطول الحدود بين فلسطين ومصر، لربط غزة بالعقبة.

المصدر: BBC NEWS