النجاح الإخباري - من بلدة عصيرة الشمالية في نابلس، نشأت أسماء الشولي شخصية مكافحة طموحة استثنائية، امرأة صنعت من العطاء رسالة ومن التحديات سلم نحو الوصول، لم تكتفِ بدورها كممرضة في أصعب الظروف، بل تجاوزت ذلك لتصبح ركنًا أساسيًا في التربية والتعليم.
في أسرة مكونة من عشرة أفراد. والدها كان مدرسًا، ومنذ الصغر، كانت أسماء تبرز بجرأتها وعزمها على تحدي القوانين والتمرد على كل قيد.
نبغت منذ سنواتها الدراسية الأولى، وبرزت شخصيتها القيادية، تشارك في جميع النشاطات والمهرجانات المدرسية، حيث كانت تؤمن بأهمية بناء العلاقات والمشاركة الاجتماعية.
أسماء كانت شخصية اجتماعية من الدرجة الأولى. شاركت في نشاطات المعلم الصغير وكانت مثالًا للمعلمات المستقبليات. لكنها كانت مصممة على أن تصبح ممرضة، لأنها رأت في هذه المهنة فرصة للعطاء والمساعدة.
نقطة تحوّل
في سن الأربع سنوات، أصابها مرض الكساح، وتذكرت تلك الممرضة بالرداء الأبيض في المستشفى الوطني في نابلس. كانت تعلق في خيالها، وعندما عادت إلى البيت، قامت بتقليد لباس التمريض وأخبرت أهلها أنها ستصبح ممرضة في المستقبل، وهو ما كان رغم كل المعيقات .
واجهت أسماء تحديات أخرى. والدها كان يعتقد أن مكان المرأة هو بيتها، بعد تعليم دبلوم لمدة سنتين. لم ترضَ عن نفسها فالتحقت بالجامعة الأردنية، حيث كتبت في ورقة الطلبات "التمريض" عند الثلاث خيارات.
كان أبوها يحلم أن تدرس الرياضيات وتصبح معلمة، لكن أسماء كانت مصممة على مهنة التمريض. تعتبرها مهنة إنسانية تتيح لها الفرصة للمساهمة وتقديم الرعاية. وبفضل دعم أخي
ذكريات الانتفاضة:
في عام 1987، كانت أسماء تدرس في السنة الثالثة في الجامعة الأردنية. كانت هذه الفترة مليئة بالتحديات بسبب الانتفاضة الأولى. لم يكن من الممكن الوصول إلى الضفة الغربية بسبب الأحداث المستمرة.
في عام 1988، كانت الانتفاضة في أوجها، وكانت أسماء تشعر أنه يجب عليها العودة إلى وطنها كممرضة على الرغم من معارضة والدها في البداية، لم تتراجع أسماء وقدمت للعمل في مستشفى المقاصد في القدس.
عند اختيارها للقسم، اختارت قسم القلب والأعصاب، على الرغم من أنه كان القسم الأصعب. أرادت أن تساعد الحالات الأكثر خطورة. كانت معظم الإصابات نتيجة عدوان الاحتلال، وكانت تتعامل مع حالات في القلب والظهر تؤدي إلى الشلل أو حتى الموت.
تروي أسماء خطورة الموقف وصعوبة التحديات في ظل الاقتحامات المتكررة لجيش الاحتلال لمستشفى المقاصد الذي كانت تعمل فيه. كما كان هناك اقتحامات للمسجد الأقصى، وكثير من الشهداء والجرحى على إثر ذلك.
تطوعت في إعطاء دورات تدريبية ضمن "التعليم المستمر" الذي أسسته وترأسته، وكانت تنقل المعرفة والمهارات لزميلاتها الممرضات، وشجعتهن على تقديم دورات في الإسعافات الأولية للمصابين في المناطق المستهدفة النائية. ضمن زيارات تطوعية قادتها لمناطق مثل وادي الجوز وجبل المكبر والعيزرية.
كما قدموا دورات في الإسعاف الأولي للأمهات والطلاب والمعلمات، وتوجيه التوعية حول الأخطاء الشائعة عند نقل المصابين. كانت قوافل الخير التي قدموها في المناطق المهمشة تسهم في توعية الناس وتقديم الرعاية الصحية للمحتاجين.
وتروي أسماء تفاصيل رحلتها: في أوائل التسعينات، اجتمع الأستاذ "وائل الشامي" مع كادر مستشفى المقاصد في القدس لمناقشة إنشاء مدرسة للتمريض. هدفهم كان تحقيق الاكتفاء الذاتي من الممرضات في المدينة، وعدم الاعتماد على الممرضات من المدن الأخرى. لفتت جرأة أسماء وشخصيتها القيادية انتباههم.
تبرعت عائلة الطاهر بتأسيس مدرسة التمريض"
كانت أسماء على رأس هذه المدرسة. بدأت تدريس القبالة والتمريض، وتخرج أول فوج من الممرضات والقابلات. في هذه الفترة، كانت أسماء على مشارف الزواج، وقررت ترك المدرسة في عام 1991.
تؤمن أسماء بأن المرأة بعد انتهاء تعليمها يجب أن تتزوج، لأن التعليم له حق والزواج له حق، ويجب أن تشبع جميع الغرائز، وخاصة غريزة الأمومة.
كانت أسماء تمزح مع صديقاتها أثناء فترة الزواج، حيث كانت تقول إن هذا هو موسم العرسان والزواج. ووالدها كان يرفض أن يزوج ابنه خارج بلدتهم (عصيرة). كانت شروطها للزواج تتطلب أن يكون الزوج ملتزمًا خلوقا شخصيته قوية ،وليس بالضرورة أن يكون متعلمً، فالأخلاق أعلى وأسمى من وجهة نظهرها.
وحول سر نجاحها وتفاؤلها تقول أسماء الشولي أنّ الأمر يرجع إلى اليقين المطلق بالله عز وجل والتسليم بكل ما يختاره، ثم التفاؤل والرضا، بالإضافة إلى إدارة وتنظيم الوقت والمحافظة دائما على خطة عمل يومية .
هي أيضًا فلاحة تحب الأرض وتنتمي إليها تربي الأغنام وتنتج كل ما يلزم بيتها الريفي الغني بكل ما هو قيّم وصحي.
وختمت السيدة أسماء قولها بأن الرغبة مهمة جداً في مجال التمريض ونصحت العاملين في قطاع التمريض اليوم وطلبة التمريض أن يركزوا على أخلاقيات المهنة وأسرارها قائلة: "هناك الكثيرون يملكون العلم وليس المهنة".
وأضافت أنَّ الممرض يجب أن يكون إنسانًا أولًا يقف بجانب المريض ويخفف عنه آلامه من الناحية النفسية .
تفاصيل عميقة تلخصها جملة واحدة "بالإرادة والتفاني والإدارة تصنع المرأة التغيير وتترك أثراً في محيطها".
بطاقة تعريفية:
أنهت تعليمها حتى الثانوية في الفرع العلمي في عصيرة الشمالية ، ثم اختارت دراسة التمريض في الجامعة الأردنية - بدأت مسيرتها كممرضة في الكلية الإسلامية في الزرقاء لتنتقل بعدها إلى قسم القلب في مستشفى المقاصد . - ثم تولت إدارة مدرسة التمريض و القبالة في القدس بين عامي ١٩٨٩ حتى عام ١٩٩١ - في أعقاب مجزرة الأقصى اخذت على عاتقها مسؤولية التدريب على الإسعافات الأولية مما أثرى خبرتها و عزز دورها كمرشدة - أسست و أدارت نادي التعليم المستمر - إنتقلت إلى العمل مع جمعية الإتحاد النسائي و من ثم أسست و ترأست كلية الحاجة عندليب العمد و كانت اول مديرة تحمل شهادة التمريض بين ١٩٩١ حتى عام ١٩٩٥ - تلقت الشولي الثقة لتولي فرع التمريض في المدرسة العائشية وهو الأول من نوعه في فلسطين و من صم إستلمت قسم الصحة المدرسية - ثم وقع عليها الإختيار لإستكمال الماجستير في الصحة العامة و مجتمعية بين عامي ١٩٩٨ و حتى ٢٠٠٠ لتكون أول موظفة تلتحق بهذا البرنامح على مستوى الوزارة و المديريات - شارت في العديد من المشاريع و مثّلت فلسطين في لبنان عام ٢٠٠٢ - تم إختيارها لتوأمةٍ بين نابلس و النرويج عام ٢٠١٣ . - و اليوم تترأس قسم الصحة المدرسية في وزارة التربية و التعليم.