شبكة النجاح الإعلامية - منال الزعبي - النجاح الإخباري - في حي تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة، الذي يعيش سكانه على حافة الخطر ويتنفسون الهواء الملوث بالدخان والغازات، ويسمعون أصوات الانفجارات والطائرات والزوارق، يشاهدون بأعين مفتوحة رغم النعاس كيف تتحول بيوتهم إلى ركام، وأحلامهم إلى كوابيس، يشعرون بالخوف والرعب، ولا يجدون مكانا آمنا للهروب أو الاحتماء.

رفيف سليم، مراسلة صحفية شابة، تروي لنا قصتها المؤلمة في هذه الحرب القاسية. تقول:

الصحفية رفيف سليم 

"اليوم ننزح للمرة الخامسة، أتعلم معنى ألا يكون لك مأمن أو مأوى؟ أن تفقد بيت الطموحات والذكريات وحضن العائلة؟ أن تكون جثة حية على الأرض بانتظار إعلان نهايتها؟ أن ترى الأشلاء والجثث في الطرقات وبين الركام، بينما يرى العالم الأزهار ولافتات الأمنيات؟"

وأكملت بصوت أصابه اليَبس من غبار الردم والركام: "أنا أعمل في مجال الصحافة منذ أربع سنوات، أحب عملي وأشعر بالفخر به، لكن في غزة الصحافة ليست مهنة سهلة أو آمنة، ويعيقها انقطاع الكهرباء والإنترنت، لكن هذا لا يثنيني عن مواصلة عملي، فأنا أرغب في إيصال رسالتنا، وأن يسمع العالم ويرى جرائم حرب ترتكب بشعب أعزل ومدنيين لا ذنب لهم سوى أنهم على أرض غزة".

نزوح يتلوه نزوح

وأضافت رفيف: "في البداية، كان القصف بعيدًا نوعًا ما عن حي تل الهوى. لكن مع تصاعد الغارات، بدأت القذائف تسقط على المباني والشوارع والساحات. فقررت أنا وعائلتي النزوح من بيتنا، خوفًا من أن نكون ضحية للقصف، لكن إلى أين نذهب؟ فلا مكان آمن في غزة، وليس من السهل أن تجد ملجأ بين كل هذه الحشود، كل شبر من الأرض مستهدف. كل إنسان في غزة مهدد، حتى الجنين في بطن أمه لم يسلم."

وأكملت:"في الحروب السابقة، كنا نتفق أن نلجأ إلى أسفل الدرج في العمارة، على أنه أأمن مكان فيها، اليوم وفي هذه الحرب، ولما صارت البنايات والأبراج تنهار فوق الناس فلا يسمع أنينهم من تحت الركام حتى الموت، اتفقنا أن نركض إلى أعلى مبنى في حال القصف، على الأرقل يجدون جثثنا، رأيتم كيف تم تدمير برج الجلاء وبرج هنادي وبرج الشروق وغيرها من الأبراج التي تضم مئات العائلات والمؤسسات."

ووصفت رفيف انهمار الصواريخ والقذائف فوق الرؤوس كأن السماء تمطر نارًا وحديدًا، في غارات متواصلة لا تهدأ، أصواتها تصم الآذان، الأضواء تحرق العيون، والمشاهد تقطع القلوب، الرعب والفزع، يسيطر على كل شيء، نزوح يتلوه نزوح ونزوح، لكن أين نذهب؟

"خرجنا من بيوتنا، وبدأنا الجري في الشوارع المظلمة، كانت القذائف تتساقط علينا من كل جانب، الزجاج والحجارة تتطاير في الهواء، السيارات والدراجات تحترق في الطرقات، الأشجار والزهور تحترق وتذبل في أماكنها، الحيوانات والطيور تصرخ في المزارع، غزة تموت أمام أعيننا، وكأنها أهوال يوم القيامة!"

أما عن النزوح فوصفته رفيف بأنه ركض بلا هدف أو وجهة، محفوف بالخوف،"لم نكن نعرف إلى أين نذهب، أو متى نصل، أو ماذا نجد، كل ما نفكر به البقاء على قيد الحياة، ونحن لا نرى سوى الموت والدمار."

وأضافت: "وصلنا إلى مستشفى القدس، حيث يوجد مأوى للنازحين، على اعتبار أن المستشفيات مكان آمن ومحمي دوليًّا، لكن يبدو أن هذا القانون العالمي لا يشمل غزة، فالمستشفى تعرض للاستهداف من قبل طائرات الاحتلال، وأصيب عدد من المرضى والطاقم الطبي، فقدنا بعض من رفاقنا في هذه المجزرة."

ولأنهم في غزة لا يفقدون الأمل، قرروا في صباح اليوم التالي العودة إلى بيتهم لتفقد أحواله بعد القصف، قالت رفيف: "المنظر كان صدمة لا علاج لها، دمار كامل أحال كل شيء إلى انتهاء، وبين الأنقاض والحطام، لمحنا بعض الملابس الممزقة والأغراض المحترقة، شعور الحزن واليأس حاضر بقوة، فقدنا أعزاء علينا، فقدنا بيتنا، وفقدنا ذكرياتنا، وفقدنا أملنا."

محاولات النجاة

وأوضحت رفيف أنهم كانوا في كل مرة ينزحون إلى مكان جديد بحثًا عن الأمان: "يتعرض النازحون للقصف والقتل في طريقهم إلى الملاجئ. رأينا كيف يتم استهداف المدارس والجامعات والمساجد والكنائس والمقابر. رأينا كيف يتم قطع الماء والغذاء والدواء عن السكان، رأينا كيف يتم تدمير البنية التحتية والخدمات الأساسية للمدينة. رأينا كيف يتم انتهاك حقوق الإنسان والقانون الدولي في غزة، فأين العالم ومؤسساته ومنظماته عن كل ما يجري؟"

وختمت حديثها بإيمان مطق: "هذا مصيرنا وسنواجهه بكل قوة، لن نستسلم، هذه أرضنا يدمرها العدو ونحييها، يقتل أبناءنا وننجب غيرهم، يبقى ناجٍ وحيد من كل عائلة؟ نصبح كلنا أهله، إسؤائيل حطمت كل شيء لدينا إلا حلم التحرير".