نابلس - ميساء أبو العوف - النجاح الإخباري - من قال إن طالب الطب لا يمكن أن يمارس هواياته؟ ومن قال إن الجدول المزدحم بالدراسة يمكن أن يقف عائقاً أمام تحقيق أحلامه الأخرى؟ وهل الطب يسرق مواهب الأطباء كما يرى البعض ..؟!

في قصتنا هذه نروي لكم حكاية طالبة طب استطاعت أن توفق بين دراستها لتبدأ مشروعها الخاص بصناعة الكروشية، فظهرت إلى النور بصفحة على موقع الانستغرام اسمتها "سنارة وخيط".

مجد نابلسي (22 عاماً)، من مدينة نابلس، فتاة مفعمة بالحيوية والنشاط، كلها أمل وإصرار، تسعى جاهدة وراء تحقيق أحلامها، وهي لا تزال على مقاعد الدراسة في سنتها الثالثة في كلية الطب في جامعة النجاح الوطنية.

"ثلاث سنين متبقية على تخرجي، لم يكن حلم طفولتي أن أدرس الطب، كان هدفي في الثانوية العامة الحصول على معدل يمكنني من دخول التخصص الذي يعجبني في المستقبل، وحصلت على معدل 93.9 " هكذا بدأت مجد حديثها ل"النجاح الإخباري"، ولكن كيف اختارت دراسة الطب فيما بعد ولماذا؟؟

بدأت مجد تسرد لنا كيف جرت الأمور ودون أي تخطيط مسبق لها، قائلة: "أنا الأخت الكبرى في البيت، وكان والدي يطمح أن يراني طبيبة لكن دون إجبار لدخول هذا التخصص، حجزت مقعداً لدراسة هندسة الحاسوب وتم قبولي وقبل أن أذهب لأثبت التسجيل بأسبوع تواصلت معي صديقتي وأبلغتني أنهم يسمحون بدراسة الطب لمن حصل على معدل أكثر من 90% لهذا العام فقط. وبدأت أفكر مليًّا في هذا الموضوع  مدة أسبوع،."

وهكذا بدأت الأفكار تراودها والأسئلة تحوم في مخيلتها، هل ستكون قادرة على دراسة هذا التخصص والاستمرار فيه، وما إن اقتنعت بالفكرة حتى ذهبت لأبيها وأبلغته بالأمر، ومن ثم سجلت في كلية الطب وبدأت المشوار.

تتابع مجد قصتها فيشدها الحنين والشوق إلى أيام الطفولة، لتروي لنا قصتها مع الكروشية وكيف بدأت تتعلم صناعته عندما كانت في سن الـ11 عاماً، وتذهب الى بيت جدها، تقول "لم يكن هناك شيء يدعو للتسلية في ذلك الحين، ولم تكن "الجوالات" في متناول يد الجميع، ولكي لا نشعر بالممل كانت جدتي في كل زيارة تخرج من خزانتها السنارة والصوف وتبدأ تعليمنا صناعة الكروشية، ومن هنا بدأت أتعلم أساسيات هذا العمل".

وتضيف: "وعندما أعود للبيت كنت أكمل عملي وتساعدني والدتي في تعلم أشياء جديدة فهي ورثت هذا العمل أيضا من جدتي، وبعدما أتقنا الأساسيات أهدتنا جدتي خيطاناً من الصوف وسنارة ".

وهكذا كانت الكروشية هواية مجد المفضلة والتي تمارسها من باب التسلية، حتى الصف العاشر، ومن ثم انقطعت عنه بشكل نهائي حتى عادت لتمارس هذه الهواية العام الماضي، خلال عطلة ما بين الفصلين عندما أنهت دراستها للفصل المقرر وبدأت أزمة فيروس كورونا تلوح في الأفق، وما نتج عنها حيث بات التعلم عن بعد ولم تكن الأمور واضحة بالنسبة للجميع.

وكما يقال "رب ضارة نافعة"، هكذا استطاعت أن تستغل وقتها بممارسة هوايتها المفضلة منذ صغرها وعملت على تطوير مهاراتها شيئا فشيئا من خلال صفحات الإنترنت واليوتيوب والتي ساعدتها كثيراً في إنجاز عمل متقن وبأسلوب مغاير.

تتحدث مجد عن بداية مشروعها والذي كان بلفحة، وهي أول قطعة أنجزتها كاملة وأهدتها لأختها، وعندما نالت اعجاب جدتها أيقنت أنها أتقنت عمل الكروشية بشكل رائع فجدتها لا ترضى بأي خطأ في العمل.

وهكذا بدأت فكرة عمل مشروع خاص بها تلمع في رأسها وعرضت أعمالها على صفحتها الشخصية عبر "الفيس بوك" ولاقت اعجابا من قبل صديقاتها، ومن ثم تبلورت لديها فكرة عمل صفحة على موقع "الانستغرام"، حملت اسم "سنارة وخيط"، لتعرف الناس بالكروشية والذي يصور في ذهن العديد من الناس على أنه شيء قديم تصنعه سيدات كبار في السن، دون أن يعلموا أن هناك صبايا يمتهن ويحترفن عمله بشكل متقن.

ومن ثم عرضت الفكرة على والديها فدعمتها والدتها وقدمت لها المساعدة عندما تكون مشغولة في دراستها، أما والدها هو الآخر لم يعارضها، ولكن اشترط عليها ألا يتعارض ذلك مع دراستها، وكانت مجد على قدر المسؤولية، واستطاعت أن تنهي الفصل الدراسي محافظة على مستواها العلمي وعلاماتها إلى جانب صناعة الكروشية.

وفيما يتعلق بقدرتها على ترتيب وتنظيم وقتها ما بين دراستها للطب وما يحتاج إليه من جهد وعناء، وبين اتقانها لعملها وحبّها لصناعة الكروشية تقول: "بالمجمل كل شخص له أسلوبه وحياته التي تختلف عن باقي الأشخاص ، وليس من الضروري أن الذي ينطبق على شخص سينطبق على الجميع، أنا أشتغل حسب وقت فراغي وجميعنا لديه وقت فراغ بصرف النظر عن التخصص، وبالنسبة لي أحببت أن أملأ وقت فراغي بشيء أحبه واستمتع في عمله، وعندما لا أجد وقتاً لإنجاز المطلوب مني أطلب المساعدة من أمي، دراستي أولا ثم الصوف."

أما بالنسبة لطريقة عرض أعمالها على صفحتها الخاصة "سنارة وخيط"، ترى أنه من أصعب الأشياء على السوشال ميديا حالياً خاصة خلال فترة جائحة كورونا، لأن الغالبية العظمى من الناس فتحت مشاريع عمل خاصة أونلاين، فكان من الصعب أن تجذب انتباه الناس بمشغولات يدوية وتجعلها تتابع أعمالها، فكان لا بد أن تقدم شيئاً مميزاً لتحافظ على متابعيها ولتستقطب متابعين جدد.

وعن سبب نجاحها تنسب مجد السر في ذلك إلى نبع الحنان التي شاركتها أعمالها وقدمت لها المساعدة عندما احتاجت لها، إضافة إلى أن صناعة الكروشية غير منتشرة لدينا كثيراً، ومن يحترفنه من الفتيات الصغيرات هن قلة قليلة، وأسعارها بسيطة ورمزية.

وحول اذا ما كانت تطمح للاستمرار في هذا العمل، تقول مجد:" لا اتوقع الاستمرار فيه، لكن والدتي ستتابع خاصة أن دراستي ستتحول السنة القادمة من مرحلة الـbasic  إلى مرحلة الـclinic ودوام المستشفى وبالتالي يصعب علي ذلك، لكن لن أوقف الصفحة وسأفكر بعمل شيء آخر بعد التخرج".

لم يكن هدف مجد الأول من هذا المشروع الربح المادي إنما انطلقت به من باب التسلية، ولتدفع الناس الى تعلم هذا الفن ولتشاركهم إياه، خاصة عندما رأت أن الكثيرين أرادوا تعلمه، وباتوا يتفاعلون معها ويشاركونها خبرات ومهارات صناعته.

بإصرارها وعزيمتها استطاعت الفتاة العنيدة الطموحة أن توفق بين دراستها في كلية الطب وبين مشروعها "سنارة وخيط"، لتنتزع ما زرع في رأس طالب الطب بأن دراستك لن تجعلك تمارس حياتك بشكل طبيعي، ولن تجد الوقت الكافي لترفه عن نفسك.

لم ولن يكن الطب مقبرة المواهب، كما يعتقد الكثيرون، فهناك طلبة كثر في كليات الطب يمتلكون مواهب عدة من تطريز وتصوير وعزف وغيرها، ويستغلونها بشكل جيد ويطورونها، إلى جانب دراستهم، وهذا كله يعتمد على تنظيم الوقت بالشكل الصحيح.