أحمد الشنباري - النجاح الإخباري - إلى الشمال من قطاع غزة تقع مدينة بيت حانون، سلَّة القطاع الغذائية ذات يوم، كان لأهلها نصيب من ويلات الاحتلال على مدار سنواته، في نكبة (48) كانت مدينة غزة  وجهتهم التي استقروا على رمالها آنذاك، وفي نكسة عام الـ(67) رحلوا إلى مدينة بيت لاهيا، وأخيراً عدوان (2014) كان معسكر جباليا مركز إيواء جماعي لأهلها.

يروي أهلها لأبنائهم ذكريات الرحيل ومحطاته، وويجهل الكثير سرَّ بطاقة اللجوء لأهلها، متسائلين هل هم مهاجرون أم مواطنون؟

و تكمن الإجابة في  رحيلهم الذي استمر ستة أشهر ليتمكنوا بعد ذلك من العودة، وفي سياق التقرير سنكشف عن سرِّ المدينة التي كانت أولَّ خطوة نحو العودة.

حكاية أوَّل رحيل:

 كان الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بطلاً فيها عندما أصرَّ على عدم الخروج من مدينة الفالوجة الا بعد خروج الجيش الإسرائيلي من بيت حانون، وتمَّ ذلك فعلًا  فعاد أهالي بيت حانون إلى بقايا منازلهم وممتلكاتهم.

 في ذكرى النكبة، مراسل "النجاح الاخباري" يقف على مجريات ما حدث في مدينة بيت حاون عام (48)، قال الحاج "توفيق" (76 عامًا):" كانت بيت حانون معسكر الجيش المصري، ومع بدء الحرب بدأت تصل أخبار تفيد بأنَّ الجيش الإسرائيلي اقترب من بيت حانون في اللحظة التي  بدأت فيها الطائرات والمدفعيات الإسرائيلية تقصف البيوت".

وأضاف: "أتذكر جيدًا صوت القصف، والدخان الذي غطى المنطقة، وأذكر كيف كانت الرمال عندما وصلنا إلى مدينة الشيخ زايد".

أمَّا الحاج "غازي" والذي كان يتسلل الى المدينة يقول لـ"النجاح الاخباري": " كانت بيت حانون مدينة أشباح، البيوت مدمَّرة ولا يمكن التعرف على ملامحها".

مضيفاً: " بين فترة وأخرى نذهب لنحاول الإطلاع على ممتلكاتنا من منطقة العزبة وأحيانًا من تل الزعتر نحاول أن نرى البلد".

ويؤكِّدبقوله: " عدنا إليها وهي ركام، وبدأ الناس بتفقد البيوت وترتيبها للنوم فيها، وكانت رائحة البارود قوية جدًا".

ويتذكر الحاج "موسى" جلاء الجيش المصري من مدينة الفالوجة قائلاً: "انسحب الجيش المصري من مدينة الفالوجة مقابل انسحاب اليهود من بيت حانون، وعلى الفور عدنا إلى ركام بيوتنا".

أمَّا الحاج الأستاذ "هاشم" يقول لمراسلنا: "سمّاني والدي هاشم لأنني ولدت بجانب مقام سيدنا هاشم عام الـ48 " ويقول على لسان أمِّه المرحومة التي روت له ذكريات الرحيل: " اختبأنا في أحد الأوكار القريبة من مسجد سيدنا هاشم وإلى جانب المقبرة وهناك وضعت ولدي ".

ويضيف الحاج: " كان وضع المهاجرين صعبًا جدًا، وكانوا يفتقرون إلى أدنى مقومات الحياة حينها على عكس هجرتنا عام الـ (67) وكان عمري (17) عامًا".

المؤرخ والكاتب "م.محمود الزعانين" صاحب كتاب "بيت حانون تاريخ وحضارة ،" يقول لمراسنا حول ذكرى النكبة واحتلال بيت حانون: "تقع بلدة بيت حانون على الطريق العام بين مدينة غزة والمجدل، حيث يحدُّها من الشرق قرية نجد، ومن الشمال قرية دمرة ومن الغرب بيت لاهيا ومن الجنوب جباليا وبيت لاهيا".

مضيفاً:  "قد كان لهذا الموقع الهام أثر كبير في حرب (1948)، حيث ساعد أهالي البلدة في مقاومة الاحتلال وعرقلة حركة الجيش البريطاني، واستولى أهالي البلدة على جرس إنذار من معسكر الجيش البريطاني، وكانوا يستخدمونه عند اقتراب أيَّة دورية للجيش البريطاني من بيت حانون للتنبيه ومقاومتها".

وأوضح أنَّ اليهود حاصروا بيت حانون في الخامس عشر من شهر أكتوبر في العام 1948، وقاموا بالتقدم لاحتلال البلدة وذلك قبل احتلال الكثير من القرى الفلسطينية المجاورة مثل ( دمرة - بيت جرجا – دير سنيد – هربيا) وغيرها من القرى وذلك لقطع الإمدادات عن هذه القرى، وحماية الإمدادات العسكرية والاقتصادية لمستعمراتهم التي كانت مهددة بالسقوط."
مضيفاً  "كان الهجوم عند الساعة العاشرة من الليل، حيث تقدمت القوافل من شرق البلدة وسيطرت على البيارات والمناطق المرتفعة وأخذت تطلق النيران بواسطة الرشاشات، وفي ذات الوقت قام الطيران بقصف البلدة بالقنابل، حيث استهدف السكان بشكل مباشر ما أدى إلى سقوط الكثير من الشهداء والجرحى".

ويضيف أنَّ الأهالي عملوا على تكوين فرق النجدة واشتروا السلاح من مصر، لمهاجمة مستعمرات الجيش البريطاني. "

ويؤكد الزعانين: " كان الجيش المصري أحد أبرز الجيوش التي كانت في بيت حانون إلى جانب المقاتلين السعوديين".

مشيراً إلى أنَّ أهالي بيت حانوت استطاعوا العودة إلى بلدتهم بعد توقيع اتفاقية خط الهدنة كأول بلدة تحتل وينسحب منها الجيش الإسرائيلي قائلاً :"عاد أهالي بيت حانون إلى بلدتهم في (31/3/1949)، وذلك بعد اتفاقية رودس والتي تمَّ من خلالها رسم حدود قطاع غزة بالخط الأخضر، فوجدوا البلدة مدمرة بشكل كامل والمنازل مهدَّمة ومعالم البلدة تغيرت، ونصف الأراضي سلبت، وهي الأراضي التي تقع شرق البلدة، وعلى الرغم من ذلك قام أهالي البلدة بترميم بيوتهم وبدأوا بزراعة الأشجار في الأراضي المتبقية، وأخذوا في التوسع بالبناء إلى خارج البلدة القديمة للحفاظ عليها .

وحول امتلاك أهالي بيت حانون لكرت اللجوء من وكالة غوث اللاجئين " الأونروا" رغم عودتهم يقول الزعانين:  "لقد هاجر أهالي بيت حانون كأي مهاجر من بلدته وفي فترة الرحيل سُجَّلوا كلاجئين وتمَّ إعطاؤهم بطاقة تسجيل اللاجئين".

مضيفاً:  "وأثناء عودتهم كان السياج الفاصل قد سلب آلاف الدونمات من ممتلكات المواطنين وبقيت محتلة حتى اليوم ولذلك مازالوا يمتلكون هذا الحق ".

ويذكر أنَّ مدينة الفالوجة تميزت بصمودها على الاحتلال؛ فكانت آخر بلدة فلسطينية سقطت بيد العصابات الإسرائيلية وذلك في أوائل العام (1949)، فقد حوصرت البلدة في آخر ثلاثة شهور من العام (1948)، وكان فيها ثلاثة قطاعات من الجيش المصري تحت مجموعة من قياداتهم جنوب فلسطين  ومنهم "جمال عبد الناصر" و"محمد نجيب" و"البيك طه"، ونتيجة هذا الحصار قطعت الإمدادات العسكرية والغذائية عنهم، فباتوا محاصرين مع السكان داخل القرية، الأمر الذي دفع أهالي القرية إلى تقاسم الغذاء وكل ما لديهم مع الجيش المصري ونتيجة لهذا الحصار تمَّ انسحاب الجيش المصري منها وفق اتفاقية "رودس"  وخرجت العصابات الصهيونية من بيت حانون".