أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - حتى قبل أيام كان الجميع بانتظار الدخان الأبيض للتهدئة من القاهرة التي تقاطرت عليها الفصائل باستثناء حركة فتح العمود الفقري للسلطة بل وزادت احتمالات إعلانها بعد تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن التهدئة ستتم بالسلطة أو بدونها وبالتالي اعتقد الجميع أن الامر ليس أكثر من انتظار إنهاء بعض التفاصيل المتعلقة بطبيعة إخراجها.

لكن الفصائل عادت أول من أمس دون اتفاق وما قيل بان الأمر يحتاج لعودة أخرى بعد عيد الأضحى لإستكمال المفاوضات هذا يعني أن الأمر ليس قيد الإعلان بل ان هناك مفاوضات لا زالت جارية وأن ما اعتقدنا أنه نضج لا زال بحاجة إلى مشاورات وأن الأمر ليس بتلك السهولة التي حاولت القوى ترويجها بحسن نية معتقدة ان الإسرائيلي الذي مارس ما يكفي من سوء النوايا مع منظمة التحرير إبان مرحلة أوسلو اعتقدت أنه تخلى عن جلده وسيكون معها اكثر مرونة وأكثر كرما.

يبدو أن الاحداث لم تجر كما سار طرفيها فالاتفاق حسب المتابع كان يبدو جاهزا منذ اكثر من أسبوعين عندما دخل وفد حركة حماس من الخارج برئاسة السيد العاروري نائب ريس المكتب السياسي لتلتئم قيادة الحركة وتصادق عليه وعلى الجانب الآخر كان الأمر بانتظار مصادقة الكابينيت لكن هذا الأخير تلكأ وأجرى مناورة ابتزازية يبدو أنها تحولت إلى قيد على الحكومة الإسرائيلية نفسها.

كان يمكن أن تمر التهدئة حينها لان الجميع آنذاك لم يتعاطى بكل هذا الاهتمام لكن بعد تعثرها في الكابينيت عادت التهدئة مرة أخرى محل جدل  في الجانب الإسرائيلي واستولدت ما يكفي من المعارضات وكذلك على الجانب الفلسطسني وبالتالي مع الوقت تتزايد المعارضة للتهدئة وهذا ما لم يحسبه طرفا الصراع اللذان اعتقدا ان عنصر الوقت في صالحهما وأنه سيعمل على تأهيل الرأي العام.

في الجانب الإسرائيلي ظهرت معارضة أولية مثلها رئيس حزب البيت اليهودي نفثالي بينيت الذي وقف بشدة داخل الحكومة ضد الاتفاق قائلا " اذا استسلمنا لحماس سنحصل على مزيدا من الصواريخ" معتبرا صباح الأمس أنه لا يوجد أي اتفاق مع حماس وفقط ما يحدث هو وقف إطلاق النار وكذلك المعارضة الإسرائيلية وعدد من الكتاب مثل رفيف دروكر الذي قال " حماس أثبتت أن حكومة إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة" وقادة الرأي العام والأكثر تأثيرا من كل هؤلاء هو موقف الشاباك الذي ظهر مؤخرا والذي يعتبر أن في هذا الاتفاق مكافأة لحركة حماس ما يشكل إضعافا للسلطة وللرئيس أبو مازن فيما ليبرمان يبدو ليس حاسما وهو يتحدث عن الأسرى وعودتهم.

وفي الجانب الفلسطيني وإن كانت السلطة في البدايات قد التزمت الصمت فقد ارتفع صوت المعارضة لديها حين إدراكها بان هناك من يريدها ان تكون حاضرة بالإضافة إلى معارضة من قبل بعض قادة الرأي العام الذي اعتبروا أن ذهاب حماس للاتفاق يعني محاكمة سنوات من المغامرات السابقة بالإضافة لموقف الأمين العام للجبهة الشعبية القيادة العامة أحمد جبريل الذي خاطب الوفود في القاهرة بان الثورة لم تنطلق من أجل قضايا إنسانية فيما أصدرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمشاركة في حوارات القاهرة موقفا حازما بربطها التهدئة بالمصالحة أو شرطها بان تسبق التهدئة مصالحة ولأن المصالحة باتت شبه مستحيلة بعد تجربة أكثر من عقد هذا يفهم أن الجبهة تراجعت عن ان تكون طرفا او سحبت موافقتها على التهدئة وأغلب الظن أن الجبهة الديمقراطية يمكن أن تنحسب مثل شقيقتها الشعبية.

ومع تزايد المعارضة فلسطينيا وإسرائيليا يبدو الأمر كأن لحظة المصادقة قد أفلتت ولو مؤقتا بسبب فهلوة الإسرائيلي ومحاولته التذاكي والابتزاز وهو من كان يريد التهدئة اولا فقد تحولت المعارضات لديه الى ما يشبه القيد.

وبين الاعتراض هنا وهناك أصبح الأمر يستدعي إجراء تعديلات ومفاوضات لتحسين الشروط بما يضمن تمريرها أمام حجم المعارضات المتزايدة وهو ربما ما استدعى مزيدا من المفاوضات من جديد وما استدعى تأجيل المسألة إلى ما بعد عيد الأضحى لمزيد من المشاورات.

يمكن القول أن هذا ما حدث ولكن هل يعني ذلك عدم قدرة الأطراف على تمريرها؟ بالقطع لا فالأمور كانت قد انجرت مبكرا او الموضوع شبه انتهى وحجم القوة الدافعة الولايات المتحدة وإسرائيل والامم المتحدة ومصر وقطر وحركة حماس والاهم أن طرفي الصراع يريدان إتمام الاتفاق.. لذا أغلب الظن أنه سيتم التوافق على التهدئة وإن كانت جميع الأطراف تريد موافقة السلطة لإضفاء شرعية على الاتفاق والسلطة تعرف ورقة قوتها تلك لكن أغلب الظن أنها لن تكون عقبة كبيرة أمام إرادة القوة الدافعة ، ....لننتظر عودة الوفود للقاهرة الأسبوع القادم ....ولننتظر القادم..!