وكالات - عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - الحرب "السرّية" التي تخوضها إسرائيل ضد إيران متواصلة، والحرب الإيرانية المضادة ـ على الأقل في مجال المحاولات ـ متواصلة هي الأخرى.
إلى هنا كل شيء يسير وفق قواعد لعبة مفهومة ضمناً، ومتفاهم على حدودها ضمناً، أيضاً.
الحرب الإقليمية الشاملة لن تنشب بسبب هذه الحروب، ولا بسبب "الخروج" هنا وهناك عن هذه القواعد.
لكن دخلت على خط هذه الحروب "السرّية" ثلاثة عوامل جديدة قد تؤدي إلى نشوب الحرب الإقليمية مهما بلغت درجة "ضبط" النفس سواء عند إيران أو إسرائيل.
العامل الأول، تراجع حظوظ العودة إلى الاتفاق النووي بعدما تراجعت الولايات المتحدة عن رفع "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب. وهو الذي يلعب في إطار التشكيلات العسكرية والأمنية في إيران دوراً ليس فقط حيوياً، وإنّما هو في الواقع العمود الفقري في كل هذه التشكيلات. وأي أن قبول إيران بأي اتفاق جديد على هذه القاعدة هو بمثابة انتحار سياسي مُعلن.
هذا يعني أن إيران لن تعود للتعاون مع منظمة الطاقة الذرية بالشروط السابقة، وأنها (أي إيران) ستعود فقط وفق منظورها الخاص، وليس وفق المنظور الأميركي أو الإسرائيلي، أو حتى العربي الخليجي.
وهنا تتحوّل "المعارضة" الأميركية لتوجيه "ضربة" عسكرية إسرائيلية إلى المفاعلات النووية الإيرانية في المدى المباشر، أو حتى المتوسط إلى معارضة أقلّ حدّة مما كانت عليه، هذا إذا لم تتحول من "المعارضة" إلى القبول والتنسيق.
بهذا المعنى فإن دخول هذا العامل على خط الحرب "السرّية" القائمة هو بمثابة عامل جديد وخطير نحو اندلاع الحرب الإقليمية الشاملة.
العامل الثاني، هو حقل الغاز (المتنازع عليه) بين لبنان وإسرائيل. بصرف النظر عن أن الدولة اللبنانية ارتكبت جملة من الأخطاء التقديرية حول الخط البحري الفاصل، والذي كان قبل التعديل الذي أجراه الجيش اللبناني من أن الخط الفاصل هو (29) وليس (23)، وحيث إن الفرق بين الخطين يعادل أكثر من (1400كم) من المياه الإقليمية تابعة للبنان.. فإن الحقل بموجب هذا التعديل لا يكون ضمن ويجب ألا يكون ضمن المياه "الإقليمية الإسرائيلية"، وبالتالي فإن لبنان سيعتبر التنقيب والاستخراج من هذا الحقل هو بمثابة "عمل عدائي" ضد السيادة اللبنانية.
هذا إذا لم يتمّ "التوافق" على تقاسم الحقل مناصفةً بين لبنان وإسرائيل والذي تقدر قيمته بحوالى 400 مليار دولار، وفي ظل الحاجة اللبنانية الماسّة للمال، في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والتي وصلت إلى حدود ما هو أكبر وأعلى من كل مؤشرات الخطر.
إذا لم يتم تقاسم قيمة هذا الحقل فإن الدولة اللبنانية ستترك لـ"حزب الله" ـ على ما يبدو ـ حرية التصرف العسكري والأمني في التعامل مع المسألة بكل ما تنطوي عليه من احتمالات صدامٍ عسكري شامل.
إذا لم تنجح الوساطة الأميركية هنا فإن هذا الحقل سيتحول إلى صاعق تفجير لحربٍ بين إسرائيل و"حزب الله"، وهي حرب لا يستطيع أحد إيقافها إذا اندلعت، كما لا يمكن بحال ضمان عدم امتدادها وتوسعها لتتحوّل إلى حربٍ إقليمية شاملة.
الأمر بالنسبة لإسرائيل مهم وحسّاس ليس في جانبه المالي فقط، وإنما في جانب آخر، ربما يكون أكثر أهمية من المال نفسه، وهو الدور الإسرائيلي في المعادلة الدولية للطاقة، والمعادلة الخاصة بالغاز تحديداً.
ولهذا فإن القبول الإسرائيلي بالمساومة "المالية" لن يكون سهلاً إلّا إذا "حقّقت" إسرائيل مكاسب مقابلة في ترسيم الحدود البحرية، بما في ذلك المطالبة بالعودة إلى الخط (23) أو العودة إلى خطٍّ جديد بين الخطين (23) و(29).
وفي هذه الحالة سيكون على لبنان "خسارة" عدة مئات من الكيلومترات المربعة من مياهه الإقليمية مقابل "حصوله" على نصف قيمة الحقل المتنازع عليه.
أيّ فشل لجهود الوساطة هنا سيعني بالضرورة الانتقال المباشر من دائرة التهديد بالحرب إلى دائرة اندلاعها في أيّ لحظة.
العامل الثالث هو عامل مآل الحرب في أوكرانيا.
هذا العامل مهما كان موقعه في دائرة العامل غير المباشر إلّا أنه قد يتحوّل إلى عاملٍ مباشر وملحّ ومحدق عند درجةٍ معينة من تطور العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
واضح للعيان، ولكل المراقبين والمتابعين أن موجة الهستيريا الغربية بقيادة الولايات المتحدة آخذة بالتراجع، أو بالتراجع المنظّم على الأقل وحتى الآن.. وواضح أن هذا التراجع قد جاء في ضوء فشل تأثير العقوبات على الاقتصاد الروسي، وارتداد هذه العقوبات تدريجياً سلباً على الاقتصادات الغربية، والبدء بتحول نتائج هذه العقوبات إلى وبالٍ سياسي واقتصادي واجتماعي على بلدانٍ كثيرة من بلدان العالم الثالث، وصولاً إلى إفقارٍ غير مسبوق، قد يصل في بعضها إلى المجاعة الحقيقية، وإلى موجات غلاء تستحيل القدرة على التعايش معها في معظم هذه البلدان.
الواضح، أيضاً، أن وحدة "المعسكر" الغربي بدأت بالتصدّع، ومحاولات الانتقال إلى استفزاز الصين تبدو أنها مؤشر الفشل المريع الذي مُني به الغرب في أوكرانيا.
من ناحيتها أحكمت روسيا قبضتها على الشرق الأوكراني، وفتحت الخطوط البرّية مع "القرم"، وسيطرت على كامل بحر آزوف، وأبقت على جيبٍ بحري واحد هو أوديسا لأسباب واعتبارات معروفة للجميع.
باختصار، بات واضحاً ما كتبناه سابقاً عن روسيا من أنها إن لم تتمكن من استمالة الجيش الأوكراني لإحداث التغيير المطلوب فإنها ستحكم سيطرتها على المناطق التي باتت تسيطر عليها، وستعمل على ضمّها إمّا بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة بعد أن دمرت كل مقومات الجيش الأوكراني في الدونباس، وحوّلت ما تبقّى من هذا الجيش في الغرب الأوكراني وأبقته تحت رحمة الصواريخ العالية الدقة، وتدمير معظم الأسلحة التي تصل إليه في الغرب الأوكراني.
الولايات المتحدة تعرف حق المعرفة، وكذلك إسرائيل أن هذه النهاية المأساوية بالنسبة للغرب ستعني المزيد من الاندفاع الإيراني إلى أحضان موسكو وبكين، بل وربما السرعة في برنامجها النووي، وصولاً إلى إصدار فتوى عقائدية لتصنيع السلاح النووي، ما يعني خروج الغرب من تحت المظلة الأميركية والإسرائيلية في حالة أن وصلت الأمور إلى هذه النقطة، وهو أمر سيحول أزمة الطاقة إلى وبالٍ حقيقي على الاقتصادات الغربية، وخصوصاً الأوروبية.
هنا، وهنا بالذات، وعند هذا المفترق الحسّاس قد تلتقي المصالح الخليجية العربية والمصالح الإسرائيلية بالموافقة الأميركية على توجيه "ضربة قاصمة لإيران" علّها تعوّض الغرب عن الهزيمة التي يكابر الجميع حتى الآن في عدم التسليم بها.
على كلّ حال ها هي أوكرانيا تتمزّق، والتمزيق سيطال أوروبا الشرقية لاحقاً، وأوروبا الغربية ستنكمش مع تداعيات الحرب في أوكرانيا، ولن يبقى في الميدان سوى الحلف الأنجلو ـ ساكسوني في مواجهة استحقاقات النظام العالمي الجديد.
العوامل الثلاثة باتت مقدمات لحربٍ إقليمية طاحنة في الشرق الأوسط، وهي حرب يحرّكها الجنون الإسرائيلي، وتباركها الولايات المتحدة على مضضٍ أو غيره ـ ليس مهماً في النهاية ـ ويتحمّس لها بعض الخليجيين العرب، وليس كلّهم، دون أن يقوى بعض العرب، وبعض الأوروبيين مهما تظاهروا بالعقلانية على وقفها، وذلك لأن حروب المجانين لا يستطيع العقلاء وقفها حتى لو أرادوا.