نابلس - حسن البطل - النجاح الإخباري - قبل فوزه، كان الرئيس جو بايدن يهرول قليلاً إلى المنصة، ثم يرفع الكمّامة، كأن أكبر الرؤساء الأميركيين سنّاً يرد على منافسه، فالت اللسان، دونالد ترامب حول عمره ولياقته البدنية.
لياقة بايدن ورصانة سياسته تعرضت بالتوالي، إلى تعثّر قدميه على سلّم الطائرة الرئاسية، وقبلها زلّة لسان غير مسبوقة، عندما أجاب بالإيجاب عن سؤال في مقابلة: هل تعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين «قاتلاً»، وأردف، إنه «سيدفع الثمن»؟
هل تعقيب المحلّلين السياسيين، بأن «الحرب الباردة» أطلّت برأسها، ومتى ستعقد قمّة ثنائية بين الرئيسين، أو مناظرة «زووم» كما اقترح بوتين، الذي عقّب على «زلّة لسان» بايدن متمنياً لنظيره دوام الصحة واللياقة، وأن يكمل ولايته الأولى!
كان الرئيس رونالد ريغان قد أجاب عن سؤال، متى ستعقد قمة تجمعه بالرئيس السوفياتي، بقوله، إنهم يموتون قبل ترتيب قمة، كان ريغان يقصد الرئيس تشيرننكو ثم الرئيس أندروبوف العجوزين. أندروبوف جاء من جهاز «كي. جي. بي»، كما بوتين، أيضاً ولاحقاً!
كان لريغان وزير دفاع هو كاسبار واينبرغر، وهذا تنبّأ بانهيار الاتحاد السوفياتي، قبل عقد من حصول ذلك، وكان تفسيره أنه عاجز عن «إطعام نفسه».
مع الحقبة الريغانية، بدؤوا يتحدثون في العالم عن «المحافظين الجدد» في الإدارة الأميركية، وكانت رئاسة الفظ و»فالت اللسان» ترامب استئنافاً للمحافظين الجدد.
كما نعلم، كانت «الحرب الباردة» القديمة بين معسكرين سياسيين أيديولوجيين، لكن حلف «الناتو» بقي حلفاً وتوسع، وحلف وارسو تبخّر، وكذا المنظومة الاشتراكية التي انحسرت وغابت شمسها دون طلقة واحدة، ثم انحسر الاتحاد السوفياتي، وقضم «الناتو» دولاً كانت في حلف وارسو.
بعد العواجيز بريجنيف وتشيرننكو وأندروبوف، صعد «فتى الكرملين» ميخائيل غورباتشوف، وتلاه السكّير بوريس يلتسين الذي كان أضحوكةً ومهرّجاً، لكنه أوصى بضابط المخابرات الشاب بوتين، الذي لعب لعبة الكراسي الموسيقية مع ميدفيدف، ثم صار رئيساً منتخباً لفترة أطول من رئاسة أوباما وترامب وبايدن.. والذي يخلفه أيضاً.
حامل الزنّار الأسود، بوتين، رد على إهانة بايدن بلباقة، متمنياً له طول العمر، كما ردّ الرئيس الفرنسي على مضيفه البرازيلي اليميني الفظ بولسونارو الذي سخر من عمر زوجته رداً لبقاً وساخراً بدبلوماسية فرنسية راقية ومعتادة.
يقول أميركيون وأوروبيون، إن الاتحاد الروسي يعيش اقتصاده على مبيعات الغاز والنفط والسلاح، كأنه دولة من العالم الثالث، لكنه حالياً، ولأول مرة، صار مصدراً للقمح والمنتوجات الزراعية، وأيضاً يقوم خبراء «السايبر» لديه بالتشويش على الانتخابات الأميركية، كما نجحوا في انتخاب ترامب، ثم فشلوا في تجديد ولايته.. وربما هذا التدخل هو سبب «تدفيع الثمن».
كان ترامب معجباً ببوتين لأنه «الزعيم القوي» كما كان معجباً برئيس كوريا الشمالية المستبد للسبب ذاته، لكن إعجابه بالرئيس الصيني كان مخلوطاً بالحرب الاقتصادية مع الصين الناهضة.
كان بايدن يستطيع أن يستخدم في وصف بوتين بأنه «المنتقم» من انهيار المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفياتي، لكن نعته بالقاتل يتعدى قصة المعارض الكسي نافالني الذي عوقبت روسيا بذريعة محاولة قتله بالسم، فكم مرة حاولت أميركا قتل فيدل كاسترو وغيره، علماً أن بوتين في رده الساخر والمهذّب على بايدن، أشار إلى أن أميركا ألقت قنبلتين ذريتين على اليابان، دون مبرر عسكري، وقتلت مئات آلاف المدنيين الأبرياء.
تتعاون روسيا مع أميركا في الحرب على الإرهاب، كل لأسبابها، وفي سورية مثلاً تنسق روسيا مع إيران وتركيا وإسرائيل، بل صرح وزير الدفاع الروسي، شويغو، بأن ذلك يشمل التنسيق بين القوات الأميركية والروسية في سورية، لكن البلدين يتنافسان في مبيعات السلاح، والآن، إلى دول تعتبر حليفة لأميركا كما في تركيا، أو دول حليفة لأميركا كما حالة مصر ودول الخليج العربي.
روسيا وأميركا شريكتان في اتفاقية فيينا النووية مع إيران، كما هما شريكتان في الرباعية الدولية لتسوية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، التي تفكر أميركا بإحيائها وتفعيلها من جديد، بدلاً من انحياز إدارة ترامب لما يمكن تسميته «المحافظين الجدد» في إسرائيل، المعارضين لـ»حل الدولتين».
لم يسبق، كما أظنّ، وعلى كثرة الأزمات في العلاقة بين موسكو وواشنطن أن قامت دولة بسحب سفيرها لدى دولة أخرى للتشاور، كما حصل بعد تهديد بايدن بعقاب بوتين وتدفيعه الثمن، ولا حتى خلال أزمة الصواريخ السوفياتية في كوبا، في عز دين الحرب الباردة بين المعسكرين.
إن أعادت موسكو سفيرها لواشنطن بعد فترة قصيرة فهذا يعني أن جولة «الحرب الباردة» الجديدة ستكون عابرة، وإلاّ فإن «المنتقم» بوتين لديه جواب آخر على إهانته شخصياً وإهانة بلاده كدولة عظمى!