نابلس - عبد الناصر النجار - النجاح الإخباري - مع تهافت التطبيع العربي، تمكّنت الحكومة الإسرائيلية من ذر فيضٍ من رماد المعلومات الزائفة في العيون، خاصةً في قضية ضم الأغوار والمناطق المصنفة «ج»، إلى الدرجة التي دفعت البعض إلى التباهي بأنه أوقف الضم مقابل التطبيع المجاني.
واقع الأمر في الأغوار مغاير تماماً، فعملية الضم تسير بشكل متسارع وصمت مؤلم، من خلال تكثيف عمليات الاستيطان، وسياسة التهجير القسري للفلسطينيين، خاصة في التجمعات البدوية في الأغوار الشمالية، يضاف إلى ذلك سياسة هدم المنازل وتجريف الأراضي الزراعية، وتوسيع مساحة المناطق المغلقة بحجة التدريبات العسكرية، فيما يصعّد المستوطنون اعتداءاتهم الإرهابية بحق الإنسان والشجر والحجر.
أول من أمس، هدمت قوات الاحتلال خربة حمصة الفوقا وشردت ٧٤ مواطناً بينهم ٤١ طفالاً.
إدارة الاحتلال المدنية التي هدمت جرافاتها الخيام والحظائر وصادرتها، طالبت الأهالي تحت تهديد السلاح بمغادرة المنطقة غرباً إلى الأبد، إلى ما بعد حاجز «الحمرا» الاحتلالي، وبالتالي قرار التهجير واضح، والهدف تفريغ كامل المنطقة الواقعة شرق حاجز الحمرا - الذي يعد من أسوأ حواجز الاحتلال واستشهد العديد المواطنين عليه - أقيم في العام ٢٠٠٠ ليفصل محافظة نابلس بشكل كامل عن الأغوار وحتى نهر الأردن، حمصة هدمت في تشرين الثاني ٢٠٢٠ عندما كانت أنظار الجميع متجهة إلى الانتخابات الأميركية، ثم أعيد بناؤها ليتم هدمها وتهجير أطفالها لاستكمال حلقة التهويد.
هدم التجمعات لم يقتصر على خربة حمصة الفوقا فقد سبقها هدم وتهجير في منطقة المالح، حتى مدرستها البدائية مهددة بالهدم، وقبلها خربة يرزة ومناطق عاطوف والبقيعة وابزيق وغيرها.
سياسة التهجير والهدم لم تقتصر على الأغوار وإنما امتدت إلى المناطق «ج» التي تعتبرها سلطات الاحتلال جزءاً من مخططات توسعها الاستيطاني، ولا عجب أن يكون مجمل ما هدمته قوات الاحتلال في العام الماضي يفوق ما هدمته خلال سنوات طويلة.
وحسب إحصائية لمركز بتسيلم الإسرائيلي فإن سلطات الاحتلال هدمت خلال الأشهر العشر الأولى من العام ٢٠٢٠، في هذه المناطق فقط، (٢١٨) منزلاً وشردت ٧٩٨ مواطناً بينهم ٤٠٤ أطفال.
أما المباني والمرافق غير السكنية التي هدمتها فيها خلال الفترة نفسها فقد بلغت ٣١٠ مرافق، تستخدم جلها للاحتياجات الإنسانية كالآبار وخطوط المياه وشبكات الكهرباء، إضافة إلى عشرات الحظائر والمراحيض المتنقلة والألواح الشمسية، إلى جانب مصادرة ٢٣ صهريج مياه، وجرارات زراعية تهمتها حراثة الأرض، في الوقت الذي صادرت فيه ٢٤٢ كرفاناً متنقلاً تستخدم للسكن أو لأغراض التعليم مقابل مصادرة ٦ كرفانات في العام 2015.
هذه المعطيات تؤكد أن الضم الفعلي مستمر، وأن سلطات الاحتلال تسارع لخلق أمر واقع في المنطقة، وأنها تتصرف في هذه المناطق وكأنها ملك لها، في الوقت الذي تمنع فيه أي تطور فلسطيني فيها خاصةً في قرى الأغوار. علماً أن كل من تبقى من الفلسطينيين في الأغوار لا يزيد عددهم على ٦٠ ألف نسمة سواء في الأغوار الشمالية أو الوسطى بما فيها محافظة أريحا ومحافظة طوباس، علماً أن سلطات الاحتلال هجّرت قسرياً في العام ١٩٦٧ أكثر من ٥٠ ألف فلسطيني من المنطقة بحجة أنها أراض عسكرية مغلقة.
في الوقت نفسه، بنت سلطات الاحتلال مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة في المستوطنات المقامة في الأغوار، وضاعفت الامتيازات الممنوحة للمستوطنين هناك الذين زاد عددهم على عشرة آلاف مستوطن.
يضاف إلى ذلك وجود مجموعة من البؤر الاستيطانية وأكثر من ٩٧ موقعاً ومعسكراً لجيش الاحتلال في الأغوار.
أمام هذه المعطيات، فإن الفلسطينيين بحاجة إلى خطة تحرك واضحة المعالم لمواجهة الضم والتهويد، وهذا ما كنا نطالب به منذ عقود، وكنا نحذر من خطر تهويد الأغوار والمناطق «ج»، وجل ما كان يقدم لهذه المناطق لم يتجاوز هبات و«فزعات» تأتي كردة فعل على حدث مثل هدم أو تهجير، دون وجود استراتيجية فلسطينية واضحة، بل لقد أهملت هذه المناطق لعقود، واليوم نحن أصبحنا أمام واقع جديد، ربما ظلت فرصة أخيرة قبل التهويد والضم النهائي، المطلوب دعم حقيقي ومواجهة فاعلة وليست تصريحات وبيانات ومراسلات دولية سرعان ما تطويها غياهب النسيان.