هاني عوكل - النجاح الإخباري - للمرة الثالثة يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، لكن هذه المرة ليس في سنغافورة ولا في فيتنام، وإنما في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، في حدث وصفته بيونغ يانغ بالتاريخي والرائع.
وليس ترامب الرئيس الأميركي الأول الذي تطأ قدماه المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، إذ سبقه في ذلك رؤساء كثر آخرهم باراك أوباما وقبله بيل كلينتون، لكن ترامب هو أول رئيس يدخل المنطقة بدون سترة واقية وأول رئيس يدخل أراضي كوريا الشمالية.
على الرغم من الرسائل المتبادلة التي سبقت لقاء ترامب- أون، إلا أنه يوصف بلقاء الفجأة، حيث لم يكن في بال الرئيس الأميركي التحضير له وغرّد على توتير بأنه وليد اللحظة، حيث قرر ذلك خلال قمة العشرين التي عقدت في طوكيو.
اللافت للنظر أن ترامب كعادته يستخدم تويتر للتعبير عن مواقفه وتحركاته، حيث عنّ على باله لقاء كيم أون عند زيارته كوريا الجنوبية، وكيم رحّب بهذه الزيارة وقال إن علاقته بالرئيس الأميركي ستحقق نتائج إيجابية.
أيضاً يمكن القول إن ترامب يمارس في سياسته مع بيونغ يانغ لعبة "الشد والرخي"، إذ في حين ما تزال العقوبات الأميركية والدولية على أشدها ضد كوريا الشمالية، مع ذلك يجد الرئيس الأميركي أن من المهم فتح قنوات للتواصل مع بيونغ يانغ حول برنامجها النووي.
الرئيس الأميركي يفعل ذلك لأنه يدرك عمق العلاقات التي تربط بيونغ يانغ مع كل من بكين وموسكو، كما أنه يراقب عن كثب الزيارات المستمرة للزعيم الكوري الشمالي إلى الصين التي وصلت إلى أربع زيارات، فضلاً عن لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في روسيا.
ثم إن اللقاء بين ترامب وأون يأتي في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين البلدين فتوراً على خلفية فشل المحادثات التي جرت بينهما في هانوي أواخر شباط الماضي، على خلفية رفض الأميركان طلب بيونغ يانغ رفع العقوبات الدولية عنها.
فشل قمة هانوي أعطت لكوريا الشمالية مبرراً لإجراء تدريبات عسكرية وإطلاق بعض القذائف الصاروخية، لاعتبارات مرتبطة بالرسائل المتبادلة مع كل من واشنطن وسيؤول فيما يخص استئناف المحادثات لتحقيق اختراق معقول في موضوع العقوبات ضد بيونغ يانغ.
ويأتي اللقاء أيضاً في خضم الفتور الذي يسود العلاقات في شبه الجزيرة الكورية، واتهام كوريا الشمالية جارتها الجنوبية بأنها تنصاع تماماً للإرادة الأميركية ولا تنفذ ما تم الاتفاق عليه في قمة الكوريتين العام الماضي، فضلاً عن مطالبة بيونغ يانغ جارتها سيؤول التوقف عن التدريبات العسكرية المشتركة مع القوات الأميركية.
لم ترد تفاصيل كافية خلال الاجتماع الذي دار بين الرئيس الأميركي والزعيم الكوري الشمالي خلال الساعة تقريباً على حدود الأراضي الكورية الجنوبية، باستثناء أن ترامب كان مرتاحاً لهذا اللقاء، وكذلك الحال بالنسبة لجونغ أون، والاتفاق بينهما على استئناف المفاوضات بين البلدين خلال أسبوعين أو ثلاثة.
صحيح أن اللقاء كان ناجحاً وتاريخياً، لكن من الصعب التنبؤ باحتمال تحقيق انفراج في الملف النووي الخاص بكوريا الشمالية لعدة اعتبارات، أولها أن القمة الأولى التي جمعت الرئيس ترامب بالزعيم أون في سنغافورة عام 2018 كانت جيدة، لكن قمة هانوي التي بعدها كانت فاشلة.
الاعتبار الثاني متعلق بحجم المساومة بين الطرفين في الملف النووي الخاص بكوريا الشمالية من جهة، والعقوبات المفروضة عليها من جهة أخرى، ولذلك من غير المستبعد أن نسمع عن قمة رابعة وأخرى خامسة بصرف النظر عن حجم الإنجازات من عدمها.
ويبدو واضحاً أن الرئيس الأميركي يستثمر ملف كوريا الشمالية لتحقيق إنجازات شخصية تتصل بوضعه كرئيس يمتلك حظوظاً جيدة لترؤس البلاد لولاية ثانية، فهو لا يريد التخلي عن بيونغ يانغ تماماً، لأن ذلك سيعني ترسيخ علاقتها بالصين وروسيا أكثر وأكثر.
كما أن ترامب يريد المساومة في الملف الكوري الشمالي واستخدام هذه الورقة المهمة بنظره للتعامل مع كل من بكين من جهة وموسكو من جهة أخرى. أما بيونغ يانغ فإنها ترغب في رفع العقوبات الأميركية والدولية عليها والعودة بقوة إلى الأسرة الدولية.  
وعلى العكس منه، يجد الزعيم الكوري الشمالي أن الأبواب باتت مفتوحة له لكسر العزلة الدولية المفروضة عليه، ويتضح النشاط الذي يبليه في العلاقات التي تجمعه برؤساء دول كبرى مثل الصين والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، سواء على أرضه أو على أرضهم. كما أنه يعتمد على سياسة "النفس الطويل" في التعامل مع سير المفاوضات بينه وبين واشنطن، وهذا يفسر صعوبة التكهن بمدى نجاح المفاوضات والحديث عن فك العزلة الدولية على كوريا الشمالية.
أخيراً يمكن القول إن اللقاءات لا تقاس بالنوايا وإنما بترجمتها على الأرض، وحتى هذه اللحظة لم يحدث أن توقفت كوريا الشمالية عن تطوير أنشطتها الصاروخية، ولم تخفف واشنطن من عقوباتها المفروضة على بيونغ يانغ.
كما أن المفاوضات مع كوريا الشمالية مرتبطة بشكل أو بآخر بالعلاقات الثنائية التي تجمع ترامب بنظيره الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، وكلما كانت "سمن على عسل"، فإن العلاقات مع بيونغ يانغ تتأثر بالشكل الإيجابي والعكس صحيح.
لا يمكن التنبؤ بسلوك ترامب وجونغ أون مهما ارتاحت العلاقات بينهما، ففي ليلة وضحاها قد نسمع عن اشتباك كلامي ضد بعضهما البعض لتعود المفاوضات إلى نقطة الصفر، ولذلك فإن نجاح الحل في الملف الكوري الشمالي مرهون بمدى الرغبة الحقيقية في تصفية الخلافات، والذهاب إلى طاولة المفاوضات بدون شروط، ووضعها في سياقها الطبيعي في ظل اشتباك المصالح الدولية في شبه الجزيرة الكورية.
[email protected]