حسين أبو سكران - النجاح الإخباري - تلقيت دعوة صباح يوم الاربعاء الموافق 4/10/2017 لحضور لقاء رئيس الوزراء الفلسطيني د. رامي حمد الله مع الشباب في قطاع غزة، وعَلِمت أن اللقاء كان مقتصرا على عدد لا يتجاوز المائة شاب لكن العدد بدأ بالزيادة نظرا لأهميته، وكونه يعد سابقة بغزة الذي يجمع السلطة التنفيذية بالشباب، اضافة لما يمثله هذا اللقاء من بث بصيص أمل لدى الشباب في غزة بسبب أوضاعهم ومشاكلهم المتردية الناتجة عن سنوات الانقسام والتي وصلت لمراحل أصبحت الحلول الترقيعية معها لا تجدي ولا تنفع. لبيت الدعوة مترددا،

ولم أكن مسرورا بالدعوة لعدة أسباب ودوافع، منها أنني أخشى أن يكون اللقاء مجرد مسرحية شكلية، لاقتناعي أن الانقسام أفرز حالة شبابية ضبابية، غير واضحة المعالم، يشوبها التدخلات السياسية لأطراف الانقسام، إضافة لكون البيئة التي افرزت الحالة الشبابية لم تكن سليمة في ظل الظروف القهرية التي يعيشها الشباب في غزة.

نظرا لحاجة الشباب لهذا اللقاء الاول لم أتفاجأ بالتدافع الحاد على باب القاعة الذي حاول الامن المرافق لرئيس الوزراء تنظيمه لكن على ما يبدو أن الشباب كان لديهم إصرار أكبر على سرعة الدخول سواء كانوا مدعوين أم لا، فتدخل مسؤول الامن وسمح للجميع بالدخول.

أمام زهاء أكثر من أربعمائة شاب فلسطيني من غزة، جلس رئيس الوزراء، وبجانبه عدة وزراء منهم وزير الاشغال والاسكان، ووزير العمل، المشهد بدا هادئاً في البداية ومنظماً، حيث جلس الجميع منصتين لما قد يقال امامهم. وبدأ حديثه بكلمة افتتاحية رسمية نقل بها تحية السيد الرئيس محمود عباس للشباب بكل مشاربهم ، ومن ثم تخلى عن لغته الرسمية وبدأ الحديث بكل صراحة حيث وعد أن تكون الأولوية لقطاع غزة في إيجاد فرص عمل للشباب عبر صندوق دعم الشباب، معلنا عن إنشاء بنك للإنماء في قطاع غزة يمنح قروض للشباب بدون فوائد ستعمل على الحد من البطالة.

فيما تحدث عن مشاكل التعليم في غزة، وملف الكهرباء واسباب انقطاع التيار الكهربائي، إضافة لمشكلة تحلية المياه، والاتفاق قبل أسابيع قليلة على استخراج الغاز من حقل "مارين" في بحر غزة، وسلط الضوء على عدة مشاكل اخرى وكيف ستعمل الحكومة على حلها مستقبلا، واتسم حديثه الذي استمر زهاء ساعة بالودية والصراحة مما دفع الحصور للتصفيق له عندما تحدث عن ازمة الكهرباء والادوية بكل صراحة.

خلال حديثه حاولت استجماع بعض المقترحات التي قد تكون متاحة للتطبيق في أي خطة شهرية قادمة للحكومة، وحينما فُتح المجال للشباب للتعبير عن آرائهم والتعرف على مطالبهم، كنت أول المتحدثين وطالبت بتطوير هذه اللقاءات لتشمل أغلب شرائح الشباب المهمشة وخصوصا في المناطق النائية بالقرى والاحياء والمخيمات التي لا يستطيع أحد إيصال مشاكلها التي تختلف الى حد ما من مكان لاخر، وطالبت بتفعيل صندوق مالي خاص لدعم الشباب بغزة يكون حاضنة للأعمال والمشاريع الابداعية والريادية، وإنشاء مراكز شبابية ثقافية نظرا للقصور الواضح للمجلس الاعلى للشباب والرياضة في هذا المضمار، وأن يقوم شخصيا بالدفع نحو أقامه لقاءات شبابية تبادلية ما بين الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لما لها من اهمية في التوعية وتوحيد الهموم والمشاكل والتعريف بالقضايا المشتركة.

وما إن انتهيت من طرح مداخلتي حتى انتقلت الفرصة لأكثر من شخص طالبوا الحكومة بالاهتمام بالشباب وتخليصهم من الآلام التي عاشوها على مدار 11 عاماً عمر الانقسام، إضافة لبعض المشاكل الشخصية المتعلقة بالأخوة الجرحى وطلبة فلسطين بالخارج الذين ينتظرون فتح المعابر، وتسلم بعض المبادرات المكتوبة ووعد بدراستها وفي هذه الاثناء ساد القاعة الهرج والمرج وبعض الفوضى بسبب رغبة الجميع في طرح مداخلاتهم. و أود هنا أن أوجز لكم انطباعاتي عن اللقاء في النقاط التالية: - لم يكن هناك لجنة تنظيم وإشراف بالمعنى الحقيقي للقاء حيث أن كل ما حدث جرى في أطار العلاقات الشخصية والعمل الارتجالي غير المدروس.

- التواجد الكثيف والمربك لرجال الامن في القاعة الامر الذي اضفى توترا أثناء انتقال الفرصة بالحديث من شاب لأخر في ظل عدم تنظيم الامر بصورة لائقة.

- بعض الشباب لم يكن على المستوى المطلوب، بل ظهر بعضهم -للأسف الشديد- وكأنه يتحدث بلغة التملق الشائعة لبعض المنظمين داخل اللقاء.

- هناك تغييب واضح لفئات شبابية كثيرة، وكان معظم الحضور من الوسط الشبابي المعروف ودائم الحضور في كل مناسبة.

- لم يكن هناك حضور ملموس للشابات وغلب على الحضور التواجد الذكوري الفج. - نسبة لا يستهان بها من الحضور وجدت باللقاء فرصة لعرض مشاكلها الشخصية على رئيس الوزراء وهو مؤشر على الغياب الواضح لدور المؤسسات الرسمية طيلة فترة الانقسام. - لم يكن هناك أية مخرجات مميزة، فكل ما طرح من الشباب هي مجرد أماني ومن رئيس الوزراء وعود بالعمل على حلها.

- نجح رئيس الوزراء بإيصال رسالة صريحة وصادقة للجميع حول مشاكل غزة بأكملها وتميز بسعة صدره.

- نجح اللقاء بوضع اللبنة الأولى لفتح قنوات حوار مباشرة ومتصلة بين الشباب والسلطة التنفيذية، بالمصارحة وتكامل الآراء والأدوار حول القضايا الشبابية ووضعها بعين الاعتبار ضمن الخطط الحكومية.

رغم النظرة السلبية السائدة لدى الجميع حول اللقاء الا انه يحسب له تأسيس فرصة للشباب في هذه اللقاءات تتمثل باكتسابه الثقة وفتح خط تواصل بينهم وبين صانع القرار ومناقشة مشكلاتهم بدون حواجز، وعرض القضايا السياسية التي تؤرق اذهانهم أمامهم بكل صراحة، وهي ما تكشف غالبًا عن زوايا جديدة للحوار وطرق حل المشكلات، والتواصل مباشرة وهو يُعد أمر غير مسبوق وإنجازً بحد ذاته نظرا لحالة القهر التي يعيشها الشباب بغزة.

أتمنى أن يتم تطوير هذا اللقاء والبناء عليه إلى لقاءات دورية تنظمها لجنة علمية محايدة تعمل على اختيار المشاركين، ترتكز على أسس منهجية علمية في نقاش كل مشكلة تواجه الشباب، والخروج منها بأفكار موضوعية وإبداعية، تمثل عامل مساعد لدى الحكومة في الخطط التنفيذية لحل المشكلات العالقة.