د. سائد الكوني - النجاح الإخباري - رئيس ديوان رئيس الوزراء

المواطن السبعيني فوزي غانم (أبو خالد) من قرية اماتين شرق مدينة قلقيلية، يعيش منذ عام 1991 صراعاً يومياً مريراً مع قطعان مستوطنة عمانويل التي أقيمت على أراضي محافظة قلقيلية وجزء من أراضي قريته، فهو يملك 37 دونماً محاذيةً لسياج المستوطنة، ويخوض معارك قانونية وميدانية شرسة في الدفاع عن أرضه التي تبعد كيلومترين عن مكان سكنه، فتارةً يُسعى إلى ترغيبه بالمال والامتيازات المادية الأخرى ليتنازل طواعيةً عن ملكية أرضه، وتارةً أخرى يتلقى أوامر عسكرية اسرائيلية بالمصادرة لأغراضٍ عسكرية فيهرع إلى توكيل محامين ذوي اختصاص للدفاع عنها لدى المحاكم الاسرائيلية، وكثيراً ما يتعرض لممارسات تهدد حياته وحياة أفراد أسرته، ولا يَسلم من الاعتداءات الفردية والمنظمة على أرضه وممتلكاته والتي تتم بحماية ودعم من قبل جنود الاحتلال ومجلس المستوطنات.

وخلال سنين كفاحه الطويلة تم قلع وتجريف وقص وحرق ما يزيد عن مئتين وخمسين شجرة زيتون غرسها في أزمنة مختلفة، "هم يدمرون ويقلعون وأنا أزرع وأُعمر" كما يقول.

وصلت قضيته إلى مسامع د. رامي الحمد الله رئيس الوزراء فوجهني الى التواصل معه والوقوف على تفاصيلها والتشاور معه في سُبل تعزيز صموده على أرضه وشِداد أزره. التقيته وعلى مُحياه تبدو علامات الهيبة والوقار، أجلسته قبالتي لأراه وأسمع منه، وما هي إلا دقائق قليلة حتى اقترب وجلس إلى جانبي معتذراً أن سمعه ليس كما كان، وتركت له الحديث، وإذ بأسارير وجهه تتفتح وهو يحدثني عن أرضه، كأنه يتكلم عن حبٍ دفين، غير آبهٌ بما سببه له من آلامٍ ومعاناة عِبر ربع قرن وأكثر من سني الزمن، لم تعرف روحه خلالها الملل، وإن كان جسده بدأ يتململ، وبألم المفاصل، والسكر، وضغط الدم عن تكملة المشوار.

ولكن ألم يقل المتنبي "وإذا كانت النُفوس كِباراً، تِعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ"، فكيف إذن لهذه الروح النضالية الثائرة أن تقبل بمثل تلك الأعذار، وما كان من الجسد المريض المسكين إلا الانصياع لعنفوانها وطلباتها، ويستبدل مشوار مشيه اليومي إلى الأرض بآخر أسبوعي، حيث أن أبا خالد الذي استنزفته مادياً إعادة إعمار ما دمره ويُدمره المستوطنون دأب على ادخار ما يتيسر له من مال بعد قوت عياله لرعاية أشجار أرضه وترميم سلاسلها، وأولئك المستوطنون، ما زالوا يراهنون على يأسه واستسلامه، فمن لهم يقول أن عشق أبي خالد لأمه الأرض، ومحبوبته رفيقة دربه أم خالد لا يفتر ولا يهون، فكما قال شاعر قضيتنا محمود درويش، على هذه الأرض ما يستحق الحياة، رائحة الخبزِ في الفجر، أول الحب، عشب على حجرٍ، أمهاتٌ تقفن على خيط ناي، وخوف الغزاة من الذكرياتْ.