وكالات - النجاح الإخباري - أكد الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، أن الأولوية في المرحلة الحالية ليست السلاح، بل إعادة الإعمار ووقف العدوان على لبنان، مشدداً على أن السلاح الذي تمتلكه المقاومة مخصص حصراً لمواجهة إسرائيل، ويُعدّ شأناً داخلياً يشكّل جزءاً من قوة لبنان، ولن يُسلَّم للعدو. وفي كلمة ألقاها مساء الأربعاء، في الذكرى السنوية لاستشهاد القيادي فؤاد شكر الذي اغتالته إسرائيل خلال الحرب الأخيرة، أوضح قاسم أن الحزب يعمل على مسارين متوازيين: الأول هو مسار المقاومة، بأدواتها وأساليبها الخاصة، والموجهة حصرياً ضد الاحتلال الإسرائيلي؛ والثاني هو المسار السياسي الهادف إلى بناء الدولة، من خلال تمثيل الناس ومتابعة قضاياهم والمشاركة في الحياة السياسية. وأكد قاسم أن كلا المسارين متكاملان، ولكل منهما خصوصيته ومتطلباته وأهدافه.
وأشار قاسم إلى أن إسرائيل لم تنفذ اتفاق وقف إطلاق النار، موضحاً أن الاتفاق محصور في جنوب نهر الليطاني، وأضاف: "أما إذا ربط البعض بين السلاح والاتفاق، فأقول له: السلاح شأن لبناني داخلي لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالعدو الإسرائيلي، هذا شأن داخلي". وتابع: "بعد معركة أولي البأس، استمر العدوان الإسرائيلي لكن بوتيرة منخفضة، من أجل الضغط علينا وعلى لبنان، وبدأوا يروّجون بأن الحزب أصبح ضعيفاً على قاعدة أنه لا يرد على هذه الاعتداءات. نحن قلنا وعبّرنا بشكل واضح: عندما أصبحت الدولة مسؤولة وتعهدت بمتابعة الأمر، لم نعد نحن مسؤولين عن التصدي نيابة عن الجميع".
وأضاف: "الدولة كلها مسؤولة، ما يعني أن الشعب كله مسؤول، يعني القوى السياسية كلها مسؤولة، ليس فقط نحن وحدنا. هذه مرحلة جديدة. اعتقدوا أن حزب الله أصبح ضعيفاً، لكنهم فوجئوا بحضوره السياسي في تركيبة الدولة، وبحضوره الشعبي، وبالانتخابات البلدية، وحجم الحضور الموجود لحزب الله وحركة أمل، أي للمقاومة، في هذه الانتخابات، وفي النتائج التي حصلوا عليها". وتابع قاسم: "خرق الإسرائيلي الاتفاق، وهدد بتهديدات مستمرة، وهذا كله في رأينا مسؤولية إسرائيل وأميركا معاً، لأنهما متواطئتان. كل المطالبات التي حصلت خلال الفترة الماضية بتنفيذ إسرائيل للاتفاق فضحت إسرائيل وفضحت أميركا".
وأشار إلى أن "وظيفة المندوب الأميركي أن يصنع مشكلة للبنان، وأن يقلب الحقائق. أميركا لا تساعدنا، بل تدمر بلدنا من أجل أن تساعد إسرائيل. بدل أن تكون المشكلة هي إسرائيل، أرادوا أن يقولوا إن المشكلة هي حزب الله والمقاومة ولبنان. مع العلم أن المطلوب هو إيقاف العدوان وتنفيذ الاتفاق. لكنهم أرادوا أن يُحدثوا مشكلة لنا في داخل لبنان. جاء برّاك (الموفد الأميركي توماس برّاك) بالتهويل والتهديد بضم لبنان إلى سورية، وبالتهديد بأن لبنان لن يبقى على الخريطة، وأنه لن يكون محل اهتمام العالم، مستخدماً في الوقت نفسه العدوان والتهديد بتوسعة العدوان. فوجئ بأن الموقف اللبناني الرسمي الوطني المقاوم، الحريص على مصلحة لبنان، كان موقفاً موحداً: فليتوقف العدوان، وبعد ذلك نناقش كل الأمور".
وأردف: "هو فوجئ لأنه يعتبر أنه إذا ضغط على الرؤساء فسيُحدث مشكلة وفتنة ويُدخل اللبنانيين ضد بعضهم، لكنه لا يعرف أن هؤلاء الرؤساء يعرفون وضع لبنان، خصوصية لبنان، وتركيبته. ثم هم جاؤوا ليعمروا بلداً، لا يستطيعون أن يعمروا بلداً والعدوان مستمر، ولا يستطيعون أن يعمروا بلداً ويأتي أحد يطلب منهم أن يعطوه قوة البلد وقدرته، ولا أن يفرض الأميركي وصايته التي يريدها من أجل أن يُعدم لبنان قوته وقدرته".
وتابع: "من يريد مساعدة لبنان، فليدفع أموالاً، ويساهم عبر القوانين، وليسعَ إلى دعم الإعمار، ويُسانده اقتصادياً. أما الأميركي، فهو لا يأتي لمساعدة لبنان، بل ليستنزفه لصالح إسرائيل، وهذا أمر مرفوض. اليوم، ومن جانب لبنان، أُنفذ الاتفاق وحقق استقراراً في شمال فلسطين، فالإسرائيلي يدّعي وجود مشكلة في الشمال، لكن الواقع أن الهدوء مستمر منذ ثمانية أشهر، فلماذا لا يُترجم ذلك بأمن مماثل في لبنان؟ فليُثبتوا أنهم تجاوزوا أطماعهم في بلدنا، وهو ما لم يحدث حتى الآن".
وأضاف: "العدوان الإسرائيلي مستمر ولم يتوقف. بل ذهب أبعد من ذلك: هل يعتقد أحد أن الإسرائيليين متمركزون عند النقاط الخمس الحدودية فقط للضغط السياسي؟ في الحقيقة، هم يستفيدون من الدعم الأميركي للضغط على اللبنانيين من أجل نزع سلاح المقاومة، وبالتالي إضعاف لبنان. هذه النقاط الخمس ما هي إلا بوابة للتوسع نحو قرى أخرى، تمهيداً لتحويلها إلى مستوطنات لاحقاً، وتالياً التسلل إلى المشهد السياسي اللبناني بهدف فرض أجندتهم. هذا هو جوهر المشروع الإسرائيلي"، مشدداً على أن بقاءهم في تلك النقاط يأتي في إطار خطة توسعية مدروسة.
وأشار قاسم إلى أن "لبنان معرض لخطر وجودي: من إسرائيل، ومن الدواعش، ومن الأميركيين الذين يرعون أن يكون لبنان أداة طيعة ليندمج في مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يريدونه". وأضاف: "لن نقبل أن يكون لبنان ملحقاً بإسرائيل، والله لو اجتمعت الدنيا كلها، ولو ذهبنا جميعاً، ولو قُتلنا ولم يبقَ منا أحد، لن تستطيع إسرائيل أن تهزمنا، ولن تستطيع أن تأخذ لبنان رهينة ما دام فينا نفس حي"، مشدداً على أن "السلاح الذي معنا هو لمقاومة إسرائيل، لا علاقة له بالداخل اللبناني، بل هو قوة للبنان. ونحن نقول: نحن مستعدون لنناقش كيف يكون هذا السلاح جزءاً من قوة لبنان. لكن، لن نقبل أن يُسلَّم السلاح لإسرائيل".
واعتبر قاسم أن "كل من يطالب بتسليم السلاح، يطالب عملياً بتسليمه لإسرائيل"، مشدداً على أن برّاك يريد السلاح من أجل إسرائيل، لا من أجل ضبط الوضع الأمني في لبنان، مؤكداً: "لا يطلب أحد منا اعترافاً، ولا أحد يطلب منا صلحاً، ولا استسلاماً". وتابع: "الخطر الداهم هو العدوان الإسرائيلي، فلا تناقشوا ماذا نملك أو لا نملك، ناقشوا العدوان. هذا العدوان يجب أن يتوقف. كل الخطاب السياسي في البلد يجب أن يكون لإيقاف العدوان، وليس لتسليم السلاح لإسرائيل. في هذه المرحلة، وحتى أوضح لكم أكثر: كل دعوة لتسليم السلاح والعدوان مستمر، هي دعوة لإعطاء إسرائيل سلاح قوة لبنان. لا يلعب أحد معنا هذه اللعبة، لأننا لن نكون من يعطون السلاح لإسرائيل".
وأضاف: "السلاح، أقول الآن، ليس أولوية. الأولوية هي الإعمار، وإلغاء العدوان"، مشدداً على أن "على الدولة أن تقوم بواجبين أساسيين: أولًا: إيقاف العدوان بكل السُبل والطرق، دبلوماسية أو عسكرية، والثاني: إعادة الإعمار"، مؤكداً أن "كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح، داخلياً أو خارجياً أو عربياً أو دولياً، هو يخدم المشروع الإسرائيلي، مهما كان اسمه، أو صفته، أو عنوانه، أو ادعاؤه، لأن الوقائع تشرح ذلك".
وأردف: "أنتم أوقفوا العدوان، امنعوا الطيران من الجو، أعيدوا الأسرى، فلتنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها. دعونا نرى إن كان هذا المشهد سيستقر. بعد ذلك، خذوا منّا أفضل نقاش، وتجاوباً على أعلى مستوى. لا تقولوا لنا الآن: نريد أن نعرف. لا، لا أستطيع أن أقدّم لك كل شيء الآن، لأنك تريد أن تأخذ بعد الكرامة الباقية، ولا نقدر على ذلك".
وختم قاسم كلمته بتأكيد أن لبنان اليوم أمام مفترق طرق بين خيارين واضحين: خيار السيادة الذي يعني حماية الوطن، وخيار الاستقلال الذي يرفض أي شكل من أشكال الوصاية، إلى جانب خيار ثالث لا يقل أهمية، هو التحرير ورفض الاحتلال. وقال: "هذا هو خيارنا الحقيقي: السيادة، الاستقلال، والتحرير. فلنُجمع عليه ونرفعه شعاراً موحّداً: أن نُخرج إسرائيل من أرضنا بوحدتنا، وأن نُعيد إعمار بلدنا بتكاتفنا". وأضاف: "إذا تمكنّا من تحقيق ذلك، نكون قد أنجزنا المهمة. ولْنُوجّه رسالة واضحة إلى العرب والعالم: مرحباً بكل من يقدّم دعماً لإخراج الاحتلال ويساهم في إعمار لبنان، فهذا يخدم مصلحتهم كما يخدم مصلحة بلدنا. أما من يسعى لخدمة إسرائيل ومشروعها، فليس له مكان بيننا".