النجاح الإخباري - وسط ركام البيوت المدمرة وانعدام الخدمات الأساسية، يخوض أهالي قطاع غزة معركة يومية شاقة للحصول على المياه، في ظل الانهيار الكامل للبنية التحتية واستمرار العدوان الإسرائيلي الذي يدخل شهره الحادي عشر.

المشهد لا يتغير كثيرًا في شوارع القطاع: طوابير طويلة، وجالونات بلاستيكية، ووجوه شاحبة لأطفال فقدوا طفولتهم ليصبحوا ناقلين للمياه، في واقع مأساوي يعكس حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة بفعل الحصار والدمار.

أزمة صامتة لا تقل فتكًا عن الجوع
في وقت يتصدر فيه خطر المجاعة المشهد الإنساني في غزة، تؤكد منظمات الإغاثة أن أزمة المياه لا تقل خطورة، إذ يضطر آلاف السكان إلى قطع مسافات طويلة عبر مناطق مدمرة للحصول على القليل من المياه، التي غالبًا ما تكون غير صالحة للشرب.

وتشير التقارير إلى أن ما يتوفر من المياه في القطاع يأتي إما من آبار ملوثة شديدة الملوحة، أو من وحدات تحلية صغيرة تعمل بأدوات بدائية، بينما تواصل سلطات الاحتلال منع تدفق المياه النظيفة عبر الشبكات الإسرائيلية التي كانت تغذي غزة قبل اندلاع العدوان.

وتقول د. بشرى الخالدي، مسؤولة السياسات الإنسانية في منظمة أوكسفام، إن متوسط استهلاك الفرد في غزة يتراوح حاليًا بين 3 إلى 5 لترات يوميًا فقط، وهو ما لا يفي بأبسط احتياجات الإنسان اليومية. في المقابل، يبلغ استهلاك الفرد في إسرائيل حوالي 247 لترًا يوميًا.

رحلة معاذ اليومية.. مشهد متكرر لآلاف الغزيين
معاذ مخيمر، شاب يبلغ من العمر 23 عامًا من سكان دير البلح، يجسد هذه المأساة. يقطع معاذ يوميًا مسافة كيلومتر تقريبًا للحصول على المياه، وينتظر في طوابير تمتد لساعات، ليعود بها إلى خيمته التي تؤوي عائلته المكونة من 22 فردًا. يقول:

"إلى متى سنبقى على هذا الحال؟"

والدته، أم معاذ، تعبر بقلق عن الخوف الدائم من العطش قائلة: "الأطفال لا يتحملون الحر والعطش، وأحيانًا لا نعرف إن كنا سنجد ماءً لليوم التالي."

تدهور صحي وغياب لمقومات الحياة
مع ندرة المياه الصالحة للاستخدام، وانتشار ملوثات الصرف الصحي والمواد الكيميائية، تسجّل المؤسسات الصحية ارتفاعًا ملحوظًا في الأمراض المنقولة عبر المياه مثل الإسهال، والتهاب الكبد الوبائي، وغيرها من الأمراض التي يمكن الوقاية منها لولا الحصار.

وذكرت منظمة أوكسفام أن معدلات هذه الأمراض ارتفعت بنسبة 150% خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وسط ظروف معيشية غير إنسانية يعيشها النازحون في خيام تفتقر لمياه الشرب، ومرافق النظافة، والحد الأدنى من الخدمات.

البحر ملاذ الفقراء.. ومصدر للأمراض
مع غياب البدائل، يلجأ بعض سكان غزة إلى الاستحمام في مياه البحر الملوثة، ما يشكّل تهديدًا إضافيًا على الصحة العامة. أما الخطط الإغاثية، فلا تزال محدودة؛ إذ يتم التحضير لإنشاء خط مياه جديد بتمويل إماراتي لنقل المياه من محطة تحلية مصرية إلى جنوب القطاع، وقد يستغرق تشغيله عدة أسابيع.

الأطفال يحملون الجالونات بدل الحقائب
مدير عام مصادر المياه في غزة، منذر سالم، يوضح أن الأطفال في غزة تحوّلوا إلى ناقلي مياه، تركوا مدارسهم وحقائبهم ليلاحقوا صهاريج الماء أو يبحثوا عنها في المناطق البعيدة.

"فقدوا طفولتهم، وأصبحوا أدوات للنجاة في معركة قاسية فرضها الاحتلال."

صرخة إغاثة عاجلة
المتحدث باسم اليونيسف، جيمس إلدر، قال إن الحرمان المستمر من الماء والغذاء أصبح قاتلًا، محذرًا من أن "الجفاف لم يعد أثرًا جانبيًا للحرب، بل جزءًا من أدواتها".

من جانبها، شددت أوكسفام على ضرورة وقف إطلاق النار فورًا وفتح المعابر الإنسانية بلا قيود، محذرة من أن استمرار الحصار سيفاقم الكارثة ويؤدي إلى مزيد من الوفيات نتيجة أمراض يمكن تفاديها بسهولة.

المصدر: وكالات