النجاح الإخباري - يُمارس الاحتلال الإسرائيلي مشروعًا استيطانيًا منظّمًا في الضفة الغربية، يتجاوز الحصار والاعتداءات اليومية ليصل إلى التهجير القسري وفرض واقع بالقوة، بدعم سياسي وأمني صريح. لم تعد اعتداءات المستوطنين أحداثًا عشوائية، بل أداة استراتيجية تخدم مخططات التوسع الاستعماري، وسط تواطؤ رسمي وشبكة مصالح تُشرعن العنف وتُفرغ القانون من مضمونه، بينما يكتفي المجتمع الدولي بالشجب دون فعل. هذا التقرير يكشف، بالوثائق، كيف تحوّل العنف الاستيطاني إلى ذراع تنفيذية لمشروع الضم الإسرائيلي الزاحف.مشروع تهجير منظم لا ردود فعل عفوية.

وفي السياق شهدت الضفة الغربية خلال الأشهر الأخيرة تصعيدًا خطيرًا في اعتداءات المستوطنين، وفق ما كشفت صحيفة هآرتس في تقرير للصحفي حنا معنيت (مارس 2025)، حيث تزايدت الهجمات المسلحة، خصوصًا في محيط قرى مثل المغير ووادي السيق. وبحسب الصحيفة، "باتت مجموعات المستوطنين المسلحة تتحرك ضمن تنظيمات شبه عسكرية، مدججة ببنادق ومسدسات، بهدف إرهاب الفلسطينيين ودفعهم للرحيل عن أراضيهم".

من جانبها، أكدت وكالة واينت (فبراير 2024) في تقرير استقصائي حول ظاهرة "فتية التلال"، أن هؤلاء يشكلون رأس الحربة في تنفيذ الاعتداءات، مستفيدين من ضعف الإجراءات القانونية بحقهم، ما يجعلهم يتحركون بثقة وبحماية غير مباشرة من قوات الاحتلال.

-تواطؤ رسمي.. حكومة يمينية متطرفة -

لم تعد العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين مخفية، بل باتت تصريحات الوزراء اليمينيين تكشف بوضوح عن شبكة الحماية السياسية للمجموعات المعتدية. ففي تقرير لـ(معاريف يناير 2025)، أوردت الصحيفة تصريحات المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يتولى حقيبة الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، والذي وصف محاولة الجيش إخلاء بؤرة استيطانية بأنها "خيانة وطنية"، بينما هاجم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش عناصر الجيش والشرطة بزعم أنهم "يُضعفون عزيمة المشروع الاستيطاني".

هذه التصريحات، كما تشير هآرتس، تُفرغ أي حديث رسمي عن "فرض النظام" من مضمونه، بل تُحوّل الاعتداءات إلى سياسة تُدار عبر المستوطنين، بينما تتواطأ المؤسسة السياسية والعسكرية في صمت أو دعم علني.

-إفلات المستوطنين من العقاب.. أرقام وحقائق-

رغم تصاعد الاعتداءات، لا تتخذ حكومة الاحتلال إجراءات قانونية جدية بحق المستوطنين. تقرير حديث لمنظمة كرم نبوت الحقوقية (ديسمبر 2024) يُظهر أن نسبة أوامر الاعتقال الإداري بحق المستوطنين المتورطين في العنف لا تتجاوز 4%، مقابل تغاضٍ تام عن تنفيذ قرارات المحكمة العليا المتعلقة بهدم البؤر الاستيطانية غير القانونية.

كما أوردت صحيفة هآرتس (مايو 2025) أن المستوطنين الذين أقدموا على إحراق منشأة أمنية إسرائيلية في الضفة الغربية، بقيمة تقدّر بـ3.5 مليون شيكل، تم التعامل معهم بمنتهى اللين، حيث اقتصرت الإجراءات على اعتقالات شكلية أُفرج عن معظمها لاحقًا، بينما تستمر التحريضات السياسية التي تمنحهم الحصانة.

-أداة إستيطانية-

تحاول بعض الخطابات الإعلامية الإسرائيلية تصوير اعتداءات المستوطنين كحالة "تمرد داخلي"، إلا أن الحقائق على الأرض تُثبت عكس ذلك. حيث توثق منظمة كرم نبوت كيف تتكامل سياسة التوسع الاستيطاني مع أذرع العنف غير الرسمية للمستوطنين، تحت رعاية وحماية الدولة، بهدف إحكام السيطرة على الأرض وتضييق الخناق على الوجود الفلسطيني.

هذا التداخل البنيوي بين المستوطنين والجيش والسياسيين، كما تؤكد تقارير واينت ومعاريف، يكشف أن عنف المستوطنين لم يعد مجرد سلوك فردي، بل جزء أصيل من مشروع الاحتلال، يُنفّذ بأساليب إرهابية لإجبار الفلسطينيين على الرحيل وتغيير ديموغرافيا الأرض قسرًا.

-تحذيرات-

إن التواطؤ الإسرائيلي مع المستوطنين، وغياب الإجراءات الرادعة، يحوّلان الضفة الغربية إلى ساحة فوضى مُمنهجة تستهدف الوجود الفلسطيني بالأساس، وتهدد بانفجار أمني قد يمتد تأثيره داخل إسرائيل نفسها.

استمرار هذا المشهد، كما تُحذر منظمات حقوقية فلسطينية ودولية، سيُقوّض أي فرصة لحل سياسي عادل، ويُرسّخ واقع الضم القسري، ما يستوجب تحركًا فلسطينيًا موحدًا، ودورًا دوليًا جادًا لتفكيك شبكة العنف الاستيطاني، وإنقاذ ما تبقى من الحق الفلسطيني المشروع في الأرض والوجود.